وامّا الوجه الثاني فحاصله ان الاحكام انما تتعلّق بالعناوين والصور الذهنية لا بالوجود الخارجي مباشرة (١) ، فاذا كان العنوان في افق الذهن متعددا كفى ذلك في عدم التنافي.
فان قيل (٢) ان العناوين في الذهن انما يعرض لها الامر والنهي بما هي مرآة للخارج ، وهذا يعني استقرار الحكم في النهاية على الوجود الخارجي بتوسط العنوان ، والوجود الخارجي واحد فلا يمكن ان يثبت امر
__________________
(١) بيان ذلك : ان قول المولى مثلا «صلّ» فانه لم ينظر الى اكثر من لزوم الاتيان بطبيعة الصلاة سواء كان بهذا الثوب او بذاك وسواء كانت بعد دخول الوقت بساعة او أقلّ او اكثر طالما كانت في الوقت المحدّد ، وكذا لو قال «اكرم عالما» فهو مخيّر في كيفية الاكرام وفي اكرام من شاء من العلماء ، وهكذا في كل القوانين والتشريعات ، فليس نظر المولى المشرّع الى وجوب مصداق معيّن من الصلاة. ولذلك قالوا بان الاحكام تتعلق بالطبائع(*).
(٢) بيان ذلك : ان العنوان ـ الذي هو متعلّق الحكم ـ بما انه منظور اليه كمرآة كاشفة عن الخارج فسيجتمع الامر والنهي على المنظور إليه خارجا ومنها الحصّة الخارجية للصلاة في المغصوب وسيتعارض الامر والنهي في هذا المجمع الخارجي الواحد ، وهذا يعني امتناع اجتماع الامر والنهي.
__________________
(*) (بل) لا يمكن ان يتعلّق امر بمصداق خارجي ، حتى لو امر المولى عبده بقوله «آتني كتابي هذا» فانّ لعبده ان يمتثل كيفما شاء ولو بان يتناول الكتاب اوّلا بيساره ويعطيه اياه بيمينه ، او يعطيه إيّاه وهو يبتسم او يتكلّم او لا وهكذا ... ولذلك قالوا بانّ المفاهيم الذهنية كالمناولة والصلاة هي كليات وليست جزئيات.