وممن تكلّم في الكتابين : المولوي عبد العلي الأنصاري السهالي * المعروف * في بلاد الهند بـ « بحر العلوم » وقد أثنى عليه واعتمد على تحقيقاته كبار العلماء * فانه قال :
« فرع ـ ابن الصلاح وطائفة من الملقّبين بأهل الحديث زعموا أن رواية الشيخين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج صاحبي الصحيح ، يفيد العلم النظري ، للإجماع على أنّ للصحيحين مزيّة على غيرهما ، وتلقّت الأمّة بقبولها ، والإجماع قطعي.
وهذا بهت ، فإنّ من راجع إلى وجدانه ، يعلم بالضرورة أنّ مجرّد روايتهما لا يوجب اليقين البتّة ، وقد روي فيهما أخبار متناقضة ، فلو أفاد روايتهما علما لزم تحقق النقيضين في الواقع ، وهذا ـ أي ما ذهب اليه ابن الصلاح وأتباعه ـ يخالف ما قالت الجمهور من الفقهاء والمحدّثين ، فإن انعقاد الإجماع على المزية على غيرهما من مرويّات ثقات آخرين ممنوع. والإجماع على مزيّتهما في أنفسهما لا يفيد ، ولأنّ جلالة شأنهما وتلقّي الأمّة بكتابيهما لو سلّم لا يستلزم ذلك القطع والعلم ، فانّ القدر المسلّم المتلقى بين الأمّة ، ليس إلاّ أن رجال مروياتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم ، وهذا لا يفيد إلاّ الظنّ.
وأمّا أن مروياتهما ثابتة عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فلا اجماع عليه أصلا ، فكيف ولا اجماع على صحة جميع ما في كتابيهما ، لأن رواتهما منهم قدريّون وغيرهم من أهل البدع ، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه ، فأين الإجماع على صحة مرويات القدريّة؟ غاية ما يلزم أن أحاديثهما أصح الصحيح ، يعني أنها مشتملة على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال ، وهذا لا يفيد إلاّ الظنّ.
هذا هو الحق المتبع ، ولنعم ما قال الشيخ ابن الهمام : إنّ قولهم بتقديم