والثاني : إن العداوة أمر باطني ، وكلام الجاحظ لا يدل عليها.
وكلا الوجهين فاسد.
أما الأوّل : فلأن مقتضاه : أن كلّ قول صدر إرضاء لملك أو رئيس ـ وإن كان في أقصى مراتب الشناعة والفساد ـ لا يدل على اعتقاد قائله به ، وهذا يستلزم أن لا يكون الذين سبّوا عليا تقربّا إلى الأمويين نواصب له وأعداء ، وأن لا يحكم بالكفر على من سبّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأهانه واستهزأ به تقربا إلى أئمّة الكفر ... إلى غير ذلك من اللوازم الواضح فسادها.
وأما الثاني : فكالأول في البطلان ، بل أظهر منه.
هذا ، ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن القاضي التستري ـ رحمهالله ـ لم ينفرد في دعوى تشيّع المأمون ، بل قال بذلك جماعة من أئمّة أهل السنّة من السابقين واللاحقين ، كالجلال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) والبرزنجي في ( مرافضه ) ، بل ذكر ابن خلدون في ( تاريخه ) : « أن دولة بني العباس دولة شيعية ».
على أن للتشيع معنيين : أحدهما : التشيع بالمعنى الخاص ، وهو الاعتقاد بامامة أئمّة الاثنى عشر من أهل البيت ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ ، وآخرهم : المهدي المنتظر ، عليهمالسلام.
والثاني : التشيع بالمعنى العام ، وهو الاعتقاد بامامة علي ـ عليهالسلام ، بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بلا فصل.
وقد صرح القاضي التستري في مقدمة كتابه ( مجالس المؤمنين ) بأنه يذكر فيه الشيعة بالمعنى العام لا الخاص.
فظهر بطلان دفاع الرشيد الدين الدهلوي عن الجاحظ ، وانتقاداته لكلام القاضي التستري ـ رحمهالله ـ.