ولو سلّمنا كون المراد من صدر الحديث هو ( الأولى بالتصرف ) فإنّه لا وجه لحمل ( المولى ) على ( الأولى بالتصرف ) كذلك ، لأنّه إنّما صدّر الحديث بتلك العبارة لينبّه السامعين ، كي يتلقوا الكلام بكل توجّه وإصغاء ، ويلتفتوا إلى وجوب إطاعة هذا الأمر الإرشادي ، كما يقول الأب لولده في مقام الوعظ والنصيحة : الست أنا أباك ، فلمّا يقرّ الولد يأمره بما يريد ، حتى يطيع أمره بمقتضى علاقة الأبوة والنبوة ، فقوله في هذا المقام : « ألست أولى بالمؤمنين » نظير قوله : ألست رسول الله إليكم ، أو ألست نبيّكم. وأما أخذ لفظة واحدة من الحديث وجعلها وحدها مورد العلاقة والربط بما في صدره فمن كمال السفاهة ، بل يكفي الارتباط الموجود بين جميع الكلام مع هذه العبارة.
والأغرب من ذلك استدلال بعض مدقّقيهم على عدم إرادة المحبّة ، بأنّ إيجاب محبة الأمير دلت عليه الآية ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) فلو كان معنى حديث الغدير ذلك أيضا كان لغوا ، ولم يعلم بأنّ الدلالة على محبة شخص بدليل عام أمر ، وإيجاب محبّته بدليل خاص أمر آخر ، ومن هنا لو آمن إنسان بجميع أنبياء الله ورسله ، ولم يجر على لسانه خصوص « محمد رسول الله » لم يعتبر مسلما ، فالمراد من الحديث إيجاب محبّة علي بشخصه ، وإن تقدم ما يدل على وجوب محبته ضمن عموم المؤمنين.
وعلى تقدير وحدة المضمون في الآية والحديث فأيّ قبح فيه؟ إنّ شأن النبي هو التأكيد على مضامين الآيات والتذكير بها ، لا سيّما متى رأى تهاونا من المكلّفين في العمل بموجب القرآن ، قال تعالى : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وما من شيء دلّت عليه آية من القرآن إلاّ وأكدت عليه الآيات الأخرى ، ثمّ الأحاديث على لسان النبي ، حتى تتم النعمة والحجّة ، وإنّ من نظر في القرآن والحديث لا يتفوه بمثل هذا الكلام الفارغ ، وإلاّ لزم أن تكون تأكيدات النبي وتقريراته في أبواب الصوم والصلاة والزكاة وتلاوة القرآن كلّها لاغية ، ويكون التنصيص على إمامة الأمير ـ كما يدعيه الشيعة ـ مرة بعد أخرى والتأكيد عليها