وهذا القول وإن نسب إلى بعض أكابر العلماء ، إلّا أنّني لا أظنّه مراده ، وربما أراد المعنى الثاني ، وأو همت عبارته خلاف ذلك. (١)
والقول الثاني وإن كان له وجه ، إلّا أنّ الذي يبعده هو أنّ اللّجوء إلى التجوّز لا يصار إليه إلّا مع تعذر حمل الكلام على الحقيقة لوجود قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي. والقرينة المدعاة هنا هي تعذّر حمل الكلام على حقيقته ؛ لأنّ نفي الضرر حقيقة في الخارج ، والإخبار عن عدم وقوعه كذب منزّه عنه صلىاللهعليهوآله ؛ لوقوعه بالوجدان (٢) ، بالإضافة إلى أنّ الشارع ليس من وظيفته الإخبار عن الأمور الخارجية (٣) ، فلا بدّ من حملها على التجوّز لذلك.
ولكن هذه القرينة غير واضحة ؛ لأنّ الشارع هنا أخبر عن نفي ما يقع تحت سلطانه من الأضرار الناشئة عن تشريعاته. ويؤيد ذلك وجود كلمة «في الإسلام» في الحديث (٤) ، والإسلام هو مجموع اعتبارات الشارع المقدس ، فكأنّه قال : لا ضرر ولا ضرار في تشريعاتي ، أي : ما يلزم من تشريعاتي الضرر أو الضرار فهو منفي ، فالإخبار هنا ليس عن نفي وقوع الضرر في الخارج ليلزم الكذب ، والخروج عن الوظيفة الشرعية ، وإنّما عن نفيه في مجال التشريع.
على أنّ كلمة «في الإسلام» تبعد إرادة النهي هنا (٥) ؛ إذ لا يستساغ في عالم البلاغة أن يقول القائل : لا تضرّوا ولا تضارّوا في الإسلام.
__________________
١ ـ أوهم كلام شيخ الشريعة الأصفهاني بين المعنى الأوّل والمعنى الثاني ، لكن عباراته إلى المعنى الثاني أقرب كما فهم الأكثر ذلك. راجع كلامه في «قاعدة لا ضرر ولا ضرار» : ٢٨ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٤.
٢ ـ انظر : مصباح الأصول ٢ : ٥٢٦.
٣ ـ قال السيد مير فتّاح المراغي في العناوين ١ : ٣١١ : «الشارع في مقام الحكم من حيث هو كذلك ، لا في مقام ما يوجد في الدين وما لا يوجد».
٤ ـ عوائد الأيام : ٥١.
٥ ـ المصدر السابق.