القاعدة النافية للأحكام التي نشأ من امتثالها الضرر. (١)
وإذا فرض تعدّد الأحكام الضررية فلا بدّ من الالتزام بكثرة التخصيص الموجب لوهن القاعدة عرفا.
الرأي المختار
والأولى أن يجاب على ذلك بأنّا لا نتعقّل أن يجعل الشارع أحكاما ضررية ؛ لأنّ أحكامه وليدة مصالح ومفاسد باتّفاق كلمة المسلمين ، وإن اختلفت وجهات نظرهم في كيفية الاستدلال على ذلك ، وتشريع الأحكام الضررية من قبله يتنافى مع ما يدركه العقل من أنّ ذلك ممّا لا ينبغي صدوره من الشارع المنزّه عن شهوة التحكّم في تصرّفات عبيده ، كما هو مقتضى ما تقتضيه قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين.
كما أنّ الأعلام الذين استدلّوا على مبدأ المصالح والمفاسد بالاستقراء ، لا بدّ أن يكونوا قد أدركوا ـ بحكم استقرائهم ـ أوجه المصالح في هذه الأحكام التي يبدو أنّها ضررية ، وإن لم تكن هي كذلك.
وتقريب ذلك : أنّ الضرر إنّما يصدق على النقص الداخل على الإنسان غير المعوّض ، أمّا النقص المعوّض فلا يصدق عليه عنوان الضرر قطعا (٢) ، فالتاجر الذي يدفع المال عوضا عن السلعة التي يأخذها لا يصدق عليه أنّه تضرّر بدفع ثمنها ، ما دام قد أخذ السلعة عوضا عن الثمن.
وإذا صحّ هذا اتّضح ما نريده من عدم صدق عنوان الضرر على موضوعات هذه الأحكام التي لا يتقوّم النظام الاجتماعي إلّا بها عادة.
فالذي يدفع الضريبة المالية ـ مثلا ـ للدولة يأخذ من طريق غير مباشر عوضها
__________________
١ ـ راجع : القواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٣٠.
٢ ـ ذكر النراقي : أنّ صدق الضرر عرفا إنّما هو إذا كان النقصان ممّا لم يثبت بإزائه عوض مقصود للعقلاء يساويه مطلقا ، وأمّا مع ثبوت ذلك بإزائه فلا يصدق الضرر أصلا. عوائد الأيام : ٦٢.