شعورا بالطمأنينة ، والأمان ، والحماية ، كما يأخذ في مقابلها نتائج الخدمات التي تقدّمها الدولة من ضمانات ضدّ المرض ، والجهل ، والفقر ، وغيرها ممّا تنهض به ويتقوّم به النظام العامّ للمجتمعات ، وهذا أثمن بكثير ممّا يدفعه عادة من أموال.
فمثل هذه الأحكام لا يتعقّل فيها إحداث ضرر ليفكّر بكيفيات الجمع بينها وبين هذه القاعدة.
وعلى هذا فإنّ هذه الأحكام خارجة بالتخصّص عنها (١) ، أي أنّها غير داخلة في عنوان القاعدة ابتداء ؛ لأنّها لا تنطوي على أضرار ؛ إذ الأضرار المعوّضة ليست أضرارا.
نعم ؛ إذا ولّدت هذه الأحكام أضرارا أكثر ممّا تقتضيه طبيعة ما تؤدّيه من خدمات للأفراد ـ كما في بعض الظروف الطارئة ـ تكون مشمولة للقاعدة ، وترفع استنادا إليها ، ولا محذور في ذلك. (٢)
الشبهة الثالثة : سقوط القاعدة لابتلائها دائما بالمعارض
وقد قرّبت هذه الشبهة بأنّ حديث (لا ضرر) لو نسب إلى أيّ دليل من أدلّة الأحكام الواقعية لكان بينه وبين ذلك الدليل العموم والخصوص من وجه. (٣)
فأدلّة وجوب الوضوء مثلا تقول : إنّ الوضوء واجب للصلاة ، ضرريا كان أو غير ضرري ، وأدلّة (لا ضرر) تنفي الحكم الضرري ، وضوءا كان أو غير وضوء ، فهما إذا يلتقيان بالوضوء الضرري ، ويفترقان بالضرر في غير الوضوء ، وبالوضوء غير الضرري. فالوضوء الضرري ـ وهو موضع الالتقاء بينهما ـ يكون واجبا بمقتضى أدلّة وجوب الوضوء مطلقا ، وغير واجب بمقتضى كونه ضرريا منفيّا وجوبه بحديث (لا ضرر) ، وهكذا بالنسبة إلى كلّ حكم.
__________________
١ ـ راجع : العناوين ١ : ٣١٥.
٢ ـ راجع : منية الطالب ٣ : ٤٠٢.
٣ ـ راجع : مصباح الأصول ٢ : ٥٤٠.