أو وجد في كتابه أخبارا تدلّ على ذلك وهو بريء منه ولا يقول به ، أو ادّعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنّه منهم وهو كاذب ، أو روى أخبارا ربّما تُوهِمُ ـ من كان قاصرا أو ناقصا في الإدراك والعلم ـ أنّ ذلك ارتفاع وغلوُّ وليس كذلك ، أو كان جملة من الاخبار يرو يها ويحدّث بها ويعترف بمضامينها ويصدّق بها من غير تحاش واتّقاء من غيره من أهل زمانه ، بل يتجاهر بها لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمي (١). هذا خلاصة الرأي الأوّل.
أمّا الراي الثاني فهو القائل بأنّ الغلوَّ عند القميّين هو ترك الضروريّات أو الإفراط فيها ، ولأجله تراهم يهمّون بقتل محمد بن أورمة ، ويأمرون بعدم الأخذ عن سهل بن زياد الآدمي ، إلى غير ذلك ، إذ الهمّ بالقتل وطرد المؤمن ، والأمر بعدم الأخذ عنه ، كلّها من الاُمور الجارحة والّتي يجب أن يكون لها مستند شرعي ، والقمّيّون هم أهل الورع والتُّقى ، وخصوصا مشايخهم كأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري رحمهالله ، فلا يمكن حمل عملهم إلاّ على عدم اعتقاد الآخر بالضروريات ، لأنّ الافراط في حبّ آل محمد كان متفشّيا عند الشيعة في قمّ وغيرها ، وخصوصا بعد مقتل الإمام الحسين عليهالسلام حيث ادّعى البعض منهم أنّ الإمام الحسين لم يقتل بل شُبِّه لهم ذلك (٢) وغلت طائفة أُخرى في أخيه محمد ابن الحنفية وقالت فيه أنّه لم يمت بل غاب في جبل رضوى ، وأنّه سيظهر لاحقا (٣).
وقد أكد الإمام زين العابدين لشيعته لزوم رعاية الاعتدال في طرح أفكار كهذه
__________________
(١) مقباس الهداية ٢ : ٣٩٧ ـ ٤٠٢.
(٢) بحار الانوار ٤٤ : ٢٧٠/ ح ١ ، عن علل الشرائع ١ : ٢٢٧ / باب ١٦٢ / ح ١ ، وانظر الاحتجاج ٢ : ٢٨٣.
(٣) وهو قول « الكربية » أصحاب « أبو كرب الضرير » ، وهي فرقة من فرق الكيسانية ، ( الفرق بين الفرق : ٢٧ مقالات الاسلاميين : ١٩ ).