مكتبتين عظيمتين : أولاهما : مكتبة أبي نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي (١) ، والذي قال عنها ياقوت الحموي : « ولم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها ، كانت كلّها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحرّرة ... » (٢).
وثانيتهما مكتبة أستاذه السيّد المرتضى الثمانيني ـ والذي لقّب بهذا اللقب لأنّ مكتبته كانت تحتوي أكثر من ثمانين ألف كتابا سوى التي أهديت إليه من الرؤساء والأشراف والتجّار ، وله ثمانون قرية ، وتوفّي وعمره ثمانون عاما ـ وقد كان السيّد المرتضى شيخ الشيعة في وقته وموضع اهتمام الجميع.
وقد استفاد الشيخ الطوسي من هاتين المكتبتين كثيرا قبل دخول السلاجقة بغداد عام ٤٤٧ ه وإسقاط الدولة البويهية وحرقهم لمكتبة أبي نصر سابور وغيرها من الدور الشيعية في الكرخ.
قال ابن الجوزي في حوادث سنة ٤٤٨ ه : وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره (٣). ثم قال في حوادث سنة ٤٤٩ ه : وفي صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ ، وأُخِذَ ما وجد من دفاتره ، وكرسيٌّ كان يجلس عليه للكلام ، وأُحرِقت مكتبته (٤).
فيحتمل قو يّا أن يكون الشيخ الطوسيّ رحمهالله ـ قبل هجوم السلاجقة على بغداد ـ قد وقف على أخبار دالّة على الشهادة الثالثة في أُصول أصحابنا ، لكنّها كانت أخبارا آحادا لا تقوى على معارضة غيرها ، ونظرا لاعتقاده بحجيّتها الاقتضائيّة دون الفعلية على ما فصّلنا سابقا ، وأنّها حجّة عنده ، لفتواه بالجواز وعدم الإثم ـ خلافا لأُستاذه المرتضى وتلميذه ابن إدريس في خبر الاحاد ـ كان عليه أن يأخذ
__________________
(١) الذي ولد في شيراز ٣٣٦ ه وتوفي سنة ٤١٦ ه.
(٢) معجم البلدان ١ : ٥٣٤ ، خطط الشام ٦ : ١٨٥.
(٣) المنتظم ٨ : ١٧٣.
(٤) أنظر المنتظم ٨ : ١٧٩.