المفوّضة.
وفي عصر الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ه ) تساءلنا عن سبب تركه رحمهالله الاعتراض على الصدوق في هذه المفردة ، مع أنّه صحّح اعتقاداته في كتاب آخر ، وهل يعني ذلك تأييده له أم لا؟ فقلنا : إنّ الشيخ لم يقبل ما رواه الصدوق في فصول الأذان ، ولكنّ الشهادة الثالثة لم تكن عنده بتلك الأهمية ؛ لاعتقاده بعدم كونها من أصل الأذان ، وجواز فعلها أو تركها ، وأنه رحمهالله كان لا يريد الدخول في أُمور جزئية اجتهادية مع الآخرين ، لأنّ الإفتاء بشيء حسّاس كالشهادة الثالثة قد يسبّب مشكلة بين الشيعة أنفسهم ، في حين هم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة ، لأنّ الحكومات الشيعية كانت في تصاعُدٍ وتَنَامٍ في عهده ، وكانوا يؤذّنون بـ « محمد وعلي خير البشر » في مصر وحلب وبغداد واليمامة ، وكان الشيخ المفيد لا يريد أن يبيّن أنّه يتّفق مع هذه الحكومات أو يختلف معهم ، المُهِمُّ أنّه رأى الكفاية فيما تأتي به الشيعة للدلالة على الجواز ولا داعي للإفتاء صريحا بذلك ، وخصوصا أنّه رحمهالله لم يُسْئَل ـ كتلميذه المرتضى ـ حتى يجيب.
والخلاصة : أنّ الشيخ اكتفى ببيان الضروري في الأذان وهو جزئيّة الحيعلة الثالثة ، وفي مطاوي كلامه ما يدلّ على قوله بالجواز ، لأ نّه لا يرى بأسا بالكلام في الأذانِ ، والشهادةُ بالولاية من الكلام فلا يخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه ، بل إنّ سكوته هو إمضاء لفعل الشيعة في حدود قولهم بالجواز ، أمّا لو اعتقدوا بالجزئية وأتوا بها على هذا الاعتقاد فمن البعيد أن يسكت الشيخ المفيد على خطائهم.
ومن هنا نفهم بأنّ الشيخ المفيد لا يتّفق مع الشيخ الصدوق في القول إتّهام القائلين بالشهادة الثالثة بالوضع والزيادة ، لأنّ الشيخ المفيد كان يرى جواز فعلها لأ نّها من الكلام الراجح والمحبوب ، وكان يعلم بأنّ الناس لا يأتون بها على أنّها جزء ، لاختلاف الصيغ المُؤَدّاة من قبلهم ، فالبعض يأتي بها بعد الحيعلة الثالثة والآخر بعد الشهادة الثانية.