إن شخصا كعلي بن أبي طالب اختصّه اللّه بأُمورٍ لا تكون عند الآخرين لحريٌ أن يقع محطا للإفراط والتفريط ، حتّى قال هو عن نفسه : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبّ مفرط ومبغض مفرّط ، وإنّا لنبرأ إلى اللّه عزّوجلّ ممن يغلو فينا ، فيرفعنا فوق حدّنا ، كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى ، قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَّ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (١).
بلى ، قد وصل الأمر بالبعض أن يرفع عليا عليهالسلام إلى حدّ الربوبية ، وبالبعض الآخر أن ينكر فضائله التي هي أظهر من الشمس وضوحا عند الجميع بغضا وعنادا (٢).
ولا يمكن تصوّر وجود حالة « مبغض مفرّط » بين الأصحاب من الشيعة ؛ نعم ، رُبَّ غلوّ وتفو يض قد سرى عند البعض منهم نتيجة لظروف مُعَيَّنة وملابسات خاصَّة ، واللافتُ هنا هو أنَّ المخالفين يعمّمون هذا الطعن إلى جميع الشيعة ، مع أنّا لو تحرَّينا الأَمرَ بدقَّةٍ وتجرُّد لرأينا فقهاءنا قاطبة يقولون بنجاسة الغلاة (٣) ،
__________________
(١) عيون اخبار الرضا ١ : ٢١٧ وعنه في بحار الانوار ٢٥ : ١٣٥ / ح ٦ ، وانظر نهج البلاغة ٢ : ٨ / الخطبة ١٢٧ ، الغارات ٢ : ٥٨٩ ، شرح الاخبار ٢ : ٤٠٥ / ح ٧٤٨. والآيات من ١١٦ = ١١٧ من سورة المائدة آية ١١٦ ـ ١١٧.
(٢) انظر قول الشافعي في حلية الأبرار للبحراني ٢ : ١٣٦ ، إذ قيل له : ما تقول في علي؟ فقال : وماذا اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفت اعداؤه فضائله حسدا ، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.
(٣) منتهى المطلب ١ : ١٤٨ / البحث الرابع من المقصد الاول من كتاب الطهارة ، تذكرة الفقهاء