الذي يذكرون دون توفيق اللّه وهداه ، تعالى اللّه عما يقولون علوّا كبيرا (١).
فإذن الغلوّ والتفو يض هما موجودان عند الآخرين كما هما موجودان عندنا ، فاتّهام طـرف دون آخر تجاوزٌ على المقاييس العلمية ، وكيل بمكيالين ، ونظر إلى الأمور بنظرة أحادية ضيّقـة غير موضوعية.
إنّ وجود مجموعة أو شخصيّات مغالية داخل مذهب معيّن لا يجيز لنا اتّهام الجميع بالتطرّف والغلوّ ، لأنّ التطرّف والغلوّ يصيبان الأفراد والجماعات معا ، ولا يختصان بطائفة دون أخرى أو مذهب ودين دون آخر ، والغلو مرفوض من قبل المسلمين الواعين ، وكان الأئمة من أهل البيت هم الأوائل من المسلمين الذين رفضوا فكرة الغلوّ ، فجاء عن ابن خلدون الناصبي قوله : وقد كفانا مؤونة هؤلاء الغلاة أئمّة الشيعة فإنّهم لا يقولون بها ويبطلون احتجاجاتهم عليها (٢).
وإليك الآن بعض الروايات عن أهل البيت ، لتعرف موقفهم من الغلاة والمفوّضة وتأكيدهم على نفي الغلوّ عن أنفسهم وأنّهم ليسو بآلهةٍ ولا أنبياء (٣) ، وليس بيدهم الخلق والرزق ، ولا يعلمون الغيب على نحو الاستقلال ، وهم بشر يأكلون ويشربون ويحتاجون في أُمورهم إلى الآخرين :
__________________
(١) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ١ : ١٧٤.
(٢) مقدمة ابن خلدون : ١٩٩.
(٣) قال الصادق : من قال إنّا أنبياء فعليه لعنة اللّه ، ومن شكّ في ذلك فعليه لعنة اللّه ، رجال الكشي ٢ : ٥٩٠ / الرقم ٥٤٠ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٩٦ / الرقم ٥٧. وفي آخر قال الصادق : يا أبا محمد ابرأ ممن يزعم أنّا أرباب ، قلت : برئ اللّه منه ، فقال : ابرأ ممن زعم أنّا أنبياء ، قلت : برئ اللّه منه ، رجال الكشي ٢ : ٥٨٧ / الرقم ٥٢٩ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٩٧ / الرقم ٦٠.
وفي خبر ثالث عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : جاء رجل إلى رسول اللّه فقال : السلام عليك يا ربي ، فقال : مالك لعنك اللّه ، ربّي وربك اللّه ، أما واللّه لكنت ما علمتك لجبانا في الحرب ، لئيما في السلم ، رجال الكشي ٢ : ٥٨٩ / الرقم ٥٣٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٩٧ / الرقم ٦١.