فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم.
وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قمّ يقصّرون تقصيرا ظاهرا في الدِّين ، ويُنزلون الأئمّة عليهمالسلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت (١) في قلوبهم ، ورأينا من يقول : أنّهم يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ، ويدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه (٢).
قال الوحيد البهبهاني : ثمّ اعلم أنّه [ أي أحمد بن محمد بن عيسى ] وابن الغضائري ربّما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضا بعدما نسباه إلى الغلوّ ، وكأ نّه لروايته ما يدل عليه ، ولا يخفى ما فيه (٣).
وقال أيضا : وقد حققنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميّين ، فإنّهم كانوا يعتقدون ـ بسبب اجتهادهم ـ اعتقاداتٍ من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ ـ مثل : نفي السهو عن النبي أو التفو يض ، مثل تفو يض بعض الاحكام إليه ـ أو إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع ، وبأدنى شيء كانوا يتّهمون ـ كما نرى الان من كثير من الفضلاء والمتديّنين ـ وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه وغير ذلك (٤).
وقال الشيخ محمد ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ كانوا يخرجون الراوي [ من البلدة ] بمجرّد توهّم الريب فيه (٥).
فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم ، فكيف يعول على جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابد من التروي والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن.
__________________
(١) ينكت في قلوبهم : أي يلقي في روعهم ويلهمون من قبل اللّه تعالى الهاما ، يقال : اتيته وهو ينكت ، أي يفكر ، كأ نّما يحدث نفسه.
(٢) تصحيح الاعتقاد : ١٣٥.
(٣) الفوائد الرجالية : ٣٨ ـ ٣٩ ، المطبوع بآخر رجال الخاقاني.
(٤) حاشية مجمع الفائدة والبرهان للوحيد البهبهاني : ٧٠٠.
(٥) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ٤ : ٧٧.