عدم مرجّح لإحديهما ، وحكموا بالقرعة بعد التساوي وفقد المرجّح ، بل ادّعى جماعة منهم الإجماع على الرجوع إلى القرعة حينئذ ، ولكن هذا لا يدلّ على اختصاص القرعة بمورد وقوع المخاصمة والنزاع ، بل لو لم يكن هناك نزاع وخصومة في البين كما إذا قال : إحدى عبيدي حرّ ، أو إحدى زوجاتي طالق ، أو هو صاحب القطيع من الغنم وطأ إحدى شياته فيريد تعيين وظيفة نفسه بالاقتراع ـ فالأدلّة تشمله مع عدم خصومة في البين.
والحاصل : أنّ الذي يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ مورد القرعة هي الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط ، أو لا يجوز وإن كان ممكنا ، أو لا يجب وليس هناك أصل أو أمارة موافق للمعلوم بالإجمال كي يكون موجبا لانحلاله ، وبعبارة أخرى : يكون من المعضلات ، ففي مثل هذا المورد شرّعت القرعة لحلّ المعضلة والمشكلة.
وقد أشار إلى ذلك أبو جعفر الباقر عليهالسلام فيما روى المحدّث المجلسي قدسسره عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام في المجلّد الأوّل في كتابه « بحار الأنوار » في باب أنّهم عليهمالسلام عندهم مواد العلم ، قال عليهالسلام : « كان عليّ عليهالسلام إذا ورد أمر ما نزل به كتاب ولا سنة قال : رجم فأصاب ، قال أبو جعفر : وهي المعضلات » (١). وفي رواية أخرى ، أو طريق لنفس تلك الرواية قال عليهالسلام : « وتلك المعضلات » (٢).
ومعلوم أنّ المراد هو الموضوع المشتبه الذي ما نزل بالخصوص حكم لا في الكتاب ولا في السنّة ، وإلاّ فالموضوعات الكلّية حكمها في الكتاب والسنّة موجودة ، كما أنّه لا يمكن أن يكون المراد الشبهة البدويّة ؛ لأنّها أيضا حكمها في الكتاب والسنّة موجودة وليست بمعضلة ، لأنّ القواعد المجعولة للشكّ مستوعب لجميع الشكوك البدويّة ، فلا بدّ وأن يكون المراد ما ذكرناه من الضابط لمورد القرعة حتّى تكون من
__________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٢ ، ص ١٧٦ ، باب إنّهم عليهمالسلام عندهم موادّ العلم و. ، ح ١٩.
(٢) المصدر ، ح ٢٠.