تحدّي الإمام الحسن عليهالسلام عثمانَ في توديع أبي ذر :
كان أبو ذر الغفاري رضياللهعنه من جملة الصحابة الذين نقموا على عثمان بن عفان موبقاته الكثيرة التي حصلت في زمان سلطته ، ولهذا نفاه عثمانُ إلى الشام (١). ولمّا وصل إلى الشام عارض سياسة معاوية ، وكان يقول : « والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، والله إنّي لأرى حقّاً يطفأ وباطلاً يحيا ، وصادقاً مكذَّباً ، وأثرةً بغير تقى ، وصالحا مستأثراً عليه » (٢). وكتب معاوية إلى عثمان : « إنّك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر ». فكتب إليه : « أن احمله على قتب بغير وطاء » ، فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه ، ولم يقم في المدينة إلاّ أيّاماً حتى أرسل إليه عثمان : « والله لتخرجنّ منها » ، قال أبو ذر : « أتخرجني من حرم رسول الله ؟ » ، قال : « نعم ، وأنفك راغم ». فنفاه إلى الربذة ولم يستجب إلى طلبه في نفيه إلى مكة أو البصرة أو الكوفة وقال له : « إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها » (٣). ولمّا أُخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إلاّ يكلّم أحد أبا ذر ولا يشيّعه ، فتحاماه الناس سوى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام وعقيل أخيه والحسنين عليهماالسلام وعمّار ، فخرجوا يشيّعونه ، فجعل الحسن عليهالسلام يكلّم أبا ذر ، فقال له مروان ( الخبيث ) : إيها يا حسن ! ألا تعلم أنّ عثمانَ قد نهى عن كلام هذا الرجل ! فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك (٤) ولكن الإمام الحسن عليهالسلام لم يعر لمروان الخبيث اهتماماً.
وفي وداعه قال له الإمام علي عليهالسلام : « يا أبا ذر إنّك غضبت لله فارج من غضبت له ، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما
__________________
(١) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٨ : ٢٥٦.
(٢) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٦.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢.
(٤) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٣.