خافوك عليه ؛ واهرب منهم بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك ». وتكلّم عقيل ثمّ تكلّم الحسن عليهالسلام ، فقال : « يا عمّاه ؛ لولا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف ، لقصر الكلام وإن طال الأسف ؛ وقد أتى القوم إليك ما ترى ؛ فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيّك صلىاللهعليهوآله وهو عنك راضٍ » (١).
وفي هذا الحديث الموجز عبّر الإمام الحسن عليهالسلام عن عدّة مفاهيم وقيم عقائدية واجتماعية وسياسية ، فقد أكّد على التوجّه إلى الآخرة وتذكّرها ، وحديثه دعوى للمعارضين الذين يجدون السبل قد انقطعت بهم فلا مجال للاستمرار بالمعارضة مع الإجراءات القاسية التي تبعد الإنسان عن ساحة المواجهة ؛ فهو دعوة إلى استشعار ضيق الدنيا والتعالي على شدائدها التي لا تتّسع لشيء من أماني النفوس التوّاقة للإصلاح والتغيير. وفي حديثه عليهالسلام حثٌّ على الصبر وتحمّل الأذى والعذاب ، والغربة والاغتراب والوحدة في سبيل الله ، ولاستشعار التسديد الإلهي للصابرين وتأييده لهم ؛ فلا يدعهم لوحدهم ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة إنّما يمدّهم حين تنقطع بهم السبل ، ويجدّد عزيمتهم حين تتوالى عليهم المحن والشدائد. وحديثه عليهالسلام دعوة إلى المفاضلة الكاملة الشاملة والتميّز الدقيق لمنهجين مختلفين ؛ منهج الحقّ ومنهج الباطل ، وهو إشارة إلى بطلان سياسة الحكومة برئيسها وأجهزتها التنفيذية وابتعادها عن منهج رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو تعبير عن رفض للواقع القائم وللحكومة القائمة التي لا تحضى برضا رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنّها مخالفة لمنهجه وسيرته في الحياة الإنسانية.
موقف الإمام الحسن عليهالسلام من حصار عثمان :
انتهت سياسة عثمان بن عفان إلى خلق جو من المعارضة السياسية
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.