العمرية ) فأقرّ بني أمية ومنهم معاوية وجمع له الشام كلّها ، فكان أميراً عشرين سنة (١). وبهذا الاستخلاف أقام معاوية جيشاً قوياً استطاع من خلاله التمرّد على خلافة الإمام علي عليهالسلام ، ومن بعده خلافة الإمام الحسن عليهالسلام ، واستولى على الخلافة بالترغيب والترهيب والتآمر فحولها إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء وعلى أثرها عاش أهل البيت عليهمالسلام قتلاً وتشريداً ، وحرّف الحكّام السيرة النبوية وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأفسدوا أوضاع وأحوال وأخلاق وعقائد المسلمين. وهكذا فإنّ اعتراض الإمام الحسن عليهالسلام على عمر لم يكن اعتراضاً ساذجاً بل كان اعتراضاً رسالياً ينظر إلى المستقبل نظرة ثاقبة ، تعبر عن حرصه عليهالسلام على مستقبل الرسالة ومستقبل الأمّة الإسلامية بل مستقبل الإنسانية جمعاء.
التفاني من أجل الإسلام :
إنّ إزاحة أهل البيت عليهمالسلام عن مناصبهم في قيادة وإدارة الحكومة ؛ لم يكن عائقاً لهم في تقييم أعمال السلطة ونشاطاتها وتوجيهها نحو الاستقامة على منهج رسول الله صلىاللهعليهوآله وثوابت القرآن الكريم ؛ لأنّهم ينطلقون من المصلحة الإسلامية العليا متعالين على المصالح الأخرى وإن كانت على مستوى عظيم وهو الخلافة والإدارة السياسية المباشرة ؛ لأنّ بقاء الإسلام وبقاء الكيان الإسلامي أهمّ الأمور بنظر أهل البيت عليهمالسلام ، وقد وقف الإمام علي عليهالسلام مرشداً وموجهاً للحكّام المتعاقبين كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً خصوصا في القضايا التي يعجزون عن توجيهها أو إدارتها أو انجازها ، واعترف عمر بن الخطاب بهذه الحقيقة قائلاً : « لولا عليّ لهلك عمر » (٢). فقد أسهم الإمام عليهالسلام في حلّ المسائل القضائية والسياسية المستعصية ، وكان عليهالسلام يشرك الإمام الحسن عليهالسلام في هذا الحلّ لتبيان
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ١٥٦.
(٢) ينابيع المودّة ١ : ٨١ ، فرائد السمطين ١ : ٣٣٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ : ١٧٩.