« أحيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوِّه باليقين ، ونوّره بالحكمة.
وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأولين ، وسر في ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا. وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك. وجاهد في الله حقّ جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم. واخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان. واعلم أنّه لا خير في علمٍ لا ينفع ، ولا ينتفع بعلمٍ لا يحقّ تعلّمه. يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبُّ أن تظلم. قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم. والعقل حفظ التجارب ، وخير ما جرَّبت ما وعظك. إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدّار. واكرم عشيرتك؛ فانهم جناحك الذي به تطير ، وأصلك الذي إليه تصير ، ويدك الّتي بها تصول » (١).
آخر وصايا أمير المؤمنين للحسنين عليهماالسلام :
أخذ أمير المؤمنين عليهالسلام يوصي ولديه الحسن والحسين عليهماالسلام ويرسم لهما وللمسلمين المنهج السليم في العلاقة مع الله ومع المجتمع ، وكانت هذه آخر الوصايا ، فقد صدرت منه في أيام جرحه وقبل شهادته ، ومما جاء فيها : « أوصيكما بتقوى الله ، وألا تبغيا الدّنيا وإنّ بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ ، واعملا للأجر. وكونا للظالم خصماً ، وللمظلوم عوناً. أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما صلىاللهعليهوآله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام. الله الله في الأيتام ، فلا تغبّوا (٢) أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، مازال يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم. والله الله
__________________
(١) نهج البلاغة : ٣٩١ ـ ٤٠٥ / ٣١.
(٢) لا تغبّوا : أي تقطعوا الطعام عنهم.