يبايعنا على الموت ، ولكن بايعنا على أن لا نفرّ » (١). ولا فرق كبير بين الاثنين ، فمن يبايع على الموت يكون قد بايع على عدم الفرار ؛ لأنّ الإنسان غالباً ما يفرّ من المعركة إن أصابه الخوف من الموت ؛ فهي بيعة على الجهاد والثبات والتضحية.
وقد شارك كبار الصحابة في هذه البيعة كما شارك في البيعة جمع من الصحابة الشباب ، ولم يشارك من صغار السنّ إلاّ الحسن والحسين عليهماالسلام كما ورد في قول الإمام محمد الجواد عليهالسلام مخاطباً المأمون والعباسيين في أحد المجالس : « أما علمتم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنّه غيره. وبايع الحسن والحسين عليهماالسلام وهما ابنا دون الستّ سنين ، ولم يبايع صبيّاً غيرهما ... » (٢). وبيعتهما لرسول الله صلىاللهعليهوآله تعبّر عن النضوج والمعرفة الرشيدة والإرادة الصلبة لمن يحسنون اليقين بالله تعالى والتوكّل عليه والاتّجاه نحوه ، ويحسنون العمل والسلوك والتصرّف مع القائد ومع المسلمين ، وتعبّر تلك البيعة عن الشجاعة الفائقة والثبات المنقطع النظير على تكاليف الرسالة ؛ وهي ليست بيعة يراد منها التشجيع ، ولا بيعة عاطفية ؛ بل هي بيعة رسالية حقيقية بين القائد وأتباعه لا بين الجدّ وأحفاده ، وهي بيعة يراد منها توجيه أنظار وعقول المسلمين إلى عظم شخصية الحسن والحسين عليهماالسلام وإلى دورهم الريادي في المجتمع الإنساني ؛ لأنّ ما يصدر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يكون عبثاً بل حكمة يراد منها أمر هام في حياة المسلمين.
شهادة الإمام الحسن عليهالسلام على كتاب ثقيف : كتب رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى ثقيف كتاباً بيّن فيه بعض الأمور المتعلّقة بحقوقهم ، وقد جاء فيه : « هذا كتاب
__________________
(١) السيرة النبوية / ابن هشام ٣ : ٣٣٠.
(٢) بحار الأنوار ٥٠ : ٧٨ / ح ٣ ونحوه في العقد الفريد / ابن عبد ربه ٥ : ١٣٣.