أن قال : « إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمدالله ومنّه وأنا أنصح خلقه لخلقه ، وما أصبحت حاملاً على مسلم ضغينة ولا مريداً له بسوء ولا غائلة ، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة ، ألا وإنّي ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردّوا عليّ رأيي ، غفر الله لي ولكم ، وارشدني وإيّاكم لما فيه المحبة والرضا إن شاء الله » ، ثم نزل ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : نظنه يريد أن يصالح معاوية ، كفر والله الرجل ! ثمّ شدّوا على فسطاطه فانتهبوه ، وقام إليه رجل من بني أسد فطعنه بمعول ، فحمل إلى المدائن (١).
ظروف الصلح البعيدة والقريبة :
إنّ قضية صلح الإمام الحسن عليهالسلام مع معاوية ليست قضية زمنية حدثت في حقبة زمنية معينة ، بل هي قضية تفاعلت فيها ظروف الماضي مع ظروف الحاضر ، فلابدّ من الوقوف عند هذه المسألة ، لكي تكون الصورة واضحة في الاطلاع على المبررات الموضوعية للصلح ، وهي :
١ ـ ظروف الحكم الأموي :
إنّ صلح الإمام عليهالسلام لم يكن منفصلاً عن ظروفه وأسبابه البعيدة الّتي شكّلت صراعاً داخل الجسد الإسلامي الواحد ، حيث استطاع الطلقاء أن يجدوا لهم موقعاً ومركزا حسّاساً داخل الكيان الإسلامي ، فقد كان معاوية والياً على الشام في عهد الخلفاء وكانت له صلاحيات مطلقة ، حتّى كان عمر بن الخطاب يحاسب جميع ولاته غير معاوية حيث كان يقول له : « لا آمرك ولا أنهاك » (٢). وكان يمدحه كثيراً ، وينهى عن ذمّه ويقول : « دعونا من ذمّ فتى قريش » (٣). كما حذّر أهل الشورى من الفرقة وقال : « إيّاكم والفرقة بعدي فإنْ
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٦٦ ـ ٧٢ ، وشرح نهج البلاغة ١٦ : ٣٦ ـ ٤١.
(٢) الاستيعاب / ابن عبد البر ٣ : ٣٩٧ ، والعقد الفريد / ابن عبد ربِّه الأندلسي ١ : ١٥.
(٣) مختصر تاريخ دمشق ٢٥ : ١٨.