حيث يجعل رسالته. وقيل للحسن أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة ، فقال : أفلا اشتري عرضي منه بذلك » (١). وروى المبرد وابن عائشة : « أنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ ، فلما فرغ أقبل الحسن عليه فسلم عليه وضحك ، وقال : أيها الشيخ اظنك غريباً ولعلّك شبهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ الله إليّ ، وحول رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم » (٢). وروي إنّ اللعين ابن اللعين مروان بن الحكم شتم الحسن بن علي عليهماالسلام فلمافرغ قال الحسن : « إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً ، ولكن مهّدك الله فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك ، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك ، والله أشدّ نقمة منّي » (٣).
١٠ ـ الرفق والمداراة : الرفق بالناس ومداراتهم من أساسيات اصلاحهم وهدايتهم ؛ لأنّ الإنسان غالباً ما يأنس بآرائه وأفكاره ومواقفه وممارساته حتى تصبح جزءً من كيانه يرى فيها كرامته وكبرياءه ، ولا يتنازل عنها أحياناً ؛ لأنّه يرى في ذلك تنازلاً عن كرامته ، ولهذا فالتعامل ينبغي أن يكون بهدوء ورفق ، حتى يتأثر بالموعظة فيصلح أفكاره أو ممارساته ، وقد اتصف الإمام الحسن عليهالسلام بهذه الصفة وهي صفة الرفق ومداراة المستويات المتعددة. عن الروياني قال :
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق الكبير ٤ : ٢١٨.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٣.
(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٥٢ / ٢٩.