فعلتم ، فاعلموا أنّ معاوية بالشام ، فإذا وكلتم إلى رأيكم عرف كيف يستبزّها منكم » (١). وكان يقول أيضاً : « هذا كسرى العرب » (٢). فاستقل معاوية بالشام استقلالاً حقيقياً نظراً لصلاحياته المطلقة وعدم تدخّل الحكّام في شؤونه ، وتوسّعت ولايته بعد أنّ ضمّ عثمان له الشام كلّها (٣).
فاستطاع أن يكوّن جيشاً مطيعاً مستسلماً ، عن طريق الخداع والتضليل وشراء الضمائر بأموال المسلمين ، وكان يوجّهه توجيهاً خاصّاً عن طريق الوعّاظ والرواة المتملّقين ، وكان معزولاً عن بقيّة الأمصار ، فلا يعرف غير معاوية وبيت أبي سفيان ، ولا يعرف من الإسلام إلاّ ما يوجّهه به معاوية من حيث تاريخ الإسلام وتاريخ رجاله ، فكان الناس يفهمون أنّ معاوية خال المؤمنين ، وموضع ثقة الخلفاء السابقين ، وابن عم الخليفة عثمان ، إضافة إلى ما نسبه وعّاظ السلاطين إليه من فضائل بعد غياب الوعي وعدم الاختلاط ببقيّة الأمصار. وتربّص معاوية بعثمان حتّى قتل ، فلم ينصره في حياته ، وإنّما استغلّ مقتله للتمرّد على خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليهالسلام ، ومن ثمّ الاستقلال الكامل بالشام بعد حرب صفّين. فكان أهل الشام مستسلمين له وحده ، ومنقادين لقيادة واحدة ، وليس له في الشام من ينافسه على الحكم والإمرة. وممّا ساعد على تقوية كيان الأمويّين هو عدم تأمير أحد من بني هاشم في عهد أبي بكر وعمر وعثمان (٤).
٢ ـ ظروف العهد العلوي :
بعد ربع قرن من وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله عاد الحق لأهله حينما عادت الخلافة
__________________
(١) الإصابة ٦ : ١١٤.
(٢) تاريخ الخلفاء : ١٥٥.
(٣) تاريخ الخلفاء : ١٥٦.
(٤) النزاع والتخاصم / المقريزي : ٨٤.