حيث قال : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » (١). فالمسألة مسألة صفقة سياسية ، فاختيار أبي بكر لعمر لم يكن على أساس موضوعي يعتمد على المؤهّلات والخصائص الذاتية ، فلم يكن عمر أفضل الموجودين من حيث العلم والعدالة والكفاءة والشجاعة وباقي خصائص الخليفة ، ولم يتمّ تنصيبه على أساس شورى بين الصحابة ، وإضافة إلى ذلك لم يراع وصايا رسول الله صلىاللهعليهوآله حول علي عليهالسلام سواء كان استخلافه بالتصريح أو التلميح ، فلا زال علي عليهالسلام هو المؤهّل الوحيد لمنصب الخلافة ، وبهذا يكون غيره غير مؤهّل للخلافة.
وقد علم الإمام الحسن عليهالسلام هذه الحقيقة فقال لعمر بن الخطاب : « انزل عن منبر أبي. فقال عمر : منبر أبيك والله لا منبر أبي » (٢). فالحسن عليهالسلام قد واجه عمر بمرّ الحق ، وقال له بأن هذا المنبر الذي تجلس عليه ، تأمر وتنهى ليس لك كما لم يكن لأبي بكر من قبلك ، وإنما هو لنا أهل البيت وهذا زعيمهم وأولهم وهو أبي صلوات الله عليه. والمنبر في كلام الحسن السبط كناية عن الخلافة والسلطة والحكومة وإرث الرسول صلىاللهعليهوآله التي هي من مختصات أهل البيت عليهمالسلام بالجعل والتخصيص من لدن الله ورسوله صلىاللهعليهوآله ، وإن من سبقهم إليها إنما سبقهم بتلك الطرق التي أقلّ ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت ملتوية إلى حدٍ بعيد. وليس غريباً أن لا يعترض على عمر غير الإمام الحسن عليهالسلام ، وهو دون الخامسة عشر ؛ لإدراكه خطورة إزاحة الإمام علي عليهالسلام عن منصبه ، فبهذه الإزاحة تسلل الأمويون إلى مناصب خطيرة في الدولة الإسلامية ، وأصبح معاوية الحاكم المطلق لولاية الشام وأعطيت له صلاحيّات مطلقة ، حتىٰ أنّ عمر قال له : « لا آمرك ولا أنهاك » (٣). وبعد عمر انتقلت السلطة إلى عثمان بلعبة ( الشورى
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١١.
(٢) الصواعق المحرقة : ٢٦٩ ، تاريخ الخلفاء : ٦١.
(٣) الاستيعاب / ابن عبد البر ٣ : ٣٩٧.