الإلهيّة كما تقدّم ، وقد بيّنّا أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم كان كذلك ، فيجب إطاعته والسماع منه كلّ ما ادّعاه ، ومنه أنّه : « لا نبيّ بعدي ». فلا يبقى للاحتمال المذكور سبيل.
وثانيا : إنّه حكي إفادة التوراة نفي ذلك الاحتمال أيضا ، فلا يكون ذلك الاحتمال إلاّ من اللجاج والعناد ، فإنّه حكي عن إبراهيم عليهالسلام في السفر الأوّل من التوراة أنّه أبعد الستّة المسطورين إلى بلاد المشرق بعد أن متّعهم ما يكتفون به ، ولا يدّعون الإرث بعده ، وأنّه لم يكن عند وفاته إلاّ إسماعيل وإسحاق ، وأنّ إسماعيل عليهالسلام كان أعزّ أولاده ، فيكون من نسل المحبوب لا المبغوض.
وبالجملة : فيظهر ممّا ذكرنا أنّ إنكار نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس غالبا إلاّ من العصبيّة ، أو حبّ الرئاسة فإنّها بعد ملاحظة ما ذكرنا تكون كالشمس في رابعة النهار ، بل أظهر من الشمس وأبين من الأمس ؛ فإنّا أوضحنا برهانها ، وشيّدنا بنيانها ، وأحكمنا أركانها ، وأورقنا أغصانها بذكر الأدلّة العقليّة والنقليّة عند كلّ فرقة ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة ، فلم يبق للمنكرين محيص ، بل جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ، ولقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ، فلا إفادة في الزيادة فإنّها إعادة أو كالإعادة.
فينبغي بعد ذلك أن يقال : ( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ * وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (١) كما أمر نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول في جوابهم ذلك ، فالعاقل تكفيه الإشارة والجاهل لا تفيه العبارة ، ومن لم يستضئ بالمصباح لم يستضئ بالإصباح.
ثمّ اعلم أنّ جماعة من الفضلاء الذين عاصرناهم ، وغيرهم أفادوا في مقام الجواب عن شبهة ذلك النصرانيّ المعارض أجوبة كثيرة ينبغي الإشارة إلى بعضها ، فأقول :
__________________
(١) الكافرون : (١٠٩) : ١ ـ ٦.