منها : أنّ الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم عليهالسلام والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى ، وإباء إبليس معلّلا بأنّه خير من آدم ؛ لكونه من نار وآدم من طين (١) يدلّ على أنّ المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم لا سجود تحيّة وزيارة.
ومنها : أنّ آدم عليهالسلام علّمهم الأسماء ، والمعلّم أفضل من المتعلّم ، وسوق الآية ينادي على أنّ الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضليّة آدم ؛ ولذا قال : ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (٢) وبهذا يندفع ما يقال : إنّ لهم أيضا علوما جمّة أضعاف العلم بالأسماء ؛ لما شاهدوا من اللوح المحفوظ وحصّلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.
ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) (٣). وقد خصّ من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع ، فيكون آدم ونوح وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة ؛ إذ لا مخصّص للملائكة من العالمين ، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.
واحتجّ المخالفون أيضا بوجوه نقليّة وعقليّة :
أمّا النقليّات :
فمنها : قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) (٤) خصّصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود ، وفيه إشارة إلى أنّ غيرهم لا يكون كذلك ؛ لأنّ أسباب التكبير والتعظيم حاصلة لهم ، ووصفهم باستمرار الخوف وامتثال
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ). الأعراف (٧) : ١١.
(٢) البقرة (٢) : ٣٣.
(٣) آل عمران (٣) : ٣٣.
(٤) النحل (١٦) : ٤٩ ـ ٥٠.