فإن قيل : إنّ المكلّف إذا اعتقد وجوده كان دائما يخاف ظهوره وتصرّفه ، فيمتنع من القبائح.
قلنا : مجرّد الحكم بخلقه وإيجاده في وقت ما كاف في هذا المعنى ، فإنّ ساكن القرية إذا انزجر عن القبيح خوفا من حاكم من قبل السلطان مختف في القرية بحيث لا أثر له كذلك ينزجر خوفا من حاكم علم أنّ السلطان يرسله إليها متى شاء ، وليس هذا خوفا من المعدوم بل من موجود مترقّب كما أنّ خوف الأوّل من ظهور مترقّب » (١).
أقول : لا يخفى ما فيه فيما ذكره الشارح القوشجي عن الردّ والإيراد لمن لاحظ ما ذكرناه بعين الإنصاف لا العناد.
وصل : هذا الاعتقاد من أصول الدين من جهة ملاحظة ثبوت الإمامة المطلقة لواحد من أهل الدين على وجه النيابة الخاصّة عن خاتم النبيّين على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين بحسب إمكان ذلك ووقوعه في الجملة ، بل ثبوتها في الجملة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام الذي يكون سببا لإكمال الدين كما نطق به القرآن المبين حيث قال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢) ، بعد نصب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم له في غدير [ خم ] كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، بمعنى أنّ الاعتقاد بثبوت الإمامة المطلقة العامّة بل الخاصّة في الجملة من أصول الدين ، ومنكره كالخوارج خارج عن الدين وإن كان من حيث الاعتقاد بوجوبه ، وكون ذلك الثبوت على وجه الوجوب من أصول المذهب ، وكان منكره كالأشاعرة خارجا عن المذهب كما أشرنا إليه.
__________________
(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.
(٢) المائدة (٥) : ٣.