ويجب على الرسول تبليغه وإظهاره وإن خفي على بعض ؛ بسبب تقصير الأمّة وعدم إيصال الشاهد منهم إلى الغائب ، فاندفع ما يقال من أنّه لو ورد نصّ لنقل إلينا ، ولما تردّد الصحابة ، ولما احتاج تحقّق الخلافة إلى البيعة ؛ إذ الصحابة لم يكونوا معصومين ، فبعضهم أنكروه لداعية الرئاسة ، وبعضهم أخفوه لتوقّعها له أو لمن ينتفع به ، أو نحو ذلك من الأغراض الفاسدة الدنيويّة ، مع أنّ الدليل العقلي إذا اقتضى وجوب التنصيص فنفيه بمثل ذلك الاحتمال ليس إلاّ من فرط التعصّب والعناد ، أو من نقص الإدراك والاستعداد ، حرسنا الله عنه بالنبيّ وآله الأمجاد.
والحاصل : أنّ الإمام عليهالسلام لا بدّ أن يكون بشرا معصوما منصوصا أو في حكمه ، وأفضل في العلم والعمل ونحوهما ممّا له دخل في الرئاسة العامّة في أمر الدين وإتمام الحجّة على المكلّفين ردّا على العامّة العمياء ؛ لأنّ ذلك لطف واجب على الله تعالى.
مضافا إلى النقل كما قال الله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، وقال الله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (٢).
وقال : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٣) ، أي يختار من يشاء للنبوّة ، والإمامة لا تكون إلاّ بالإمام الذي له الرئاسة في أمر الدين والدنيا لا برأي الناس.
وقال الله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٤) ، وقال الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) (٥).
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٢٤.
(٢) يونس (١٠) : ٣٥.
(٣) القصص (٢٨) : ٦٨.
(٤) النحل (١٦) : ٤٣.
(٥) آل عمران (٣) : ٣٣ ـ ٣٤.