وأمّا القياس فهو ـ مع كونه موجبا للهرج والمرج والاختلال باختلاف أهله ـ غير كاف في جميع الأحكام ، كما لا يخفى على من كان من ذوي الأفهام ، فتعيّن أن تعيها أذن واعية ، ويكون من يتلقّى من النبيّ ، ولا تخفى عليه خافية ، ويكون هاديا للأنام وهو الإمام.
وأمّا الكبرى فلأنّ غير المعصوم يمكن أن يكون مع العصيان أو الخطإ والنسيان ، وجعله حافظا للشرع مناف للغرض ومستلزم للتعبّد بما يحتمل الخطأ وهو في نفسه قبيح ، وعند إمكان التعبّد بما لا يحتمل الخطأ ترجيح للمرجوح ، فلا يكون جائزا إلاّ إذا صار ذلك القبيح بالذات حسنا بالعرض من جهة دفع الأقبح ، كالخروج عن الشريعة من باب جواز ارتكاب أقلّ القبيحين عقلا ـ كما في أمثال زماننا ـ مضافا إلى أنّ عدم العصمة توجب النفرة ، وعدم إتمام الحجّة ، والترجيح للمرجوح أو من غير مرجّح ، والأمر بطاعة من علم خطؤه في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١).
وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع ما ذكره الشارح القوشجي بقوله : « وأجيب بأنّه ليس حافظا بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة واجتهاده الصحيح وإن أخطأ في اجتهاده ، فالمجتهدون يردّون ، والآمرون بالمعروف يصدّون ، وإن لم يفعلوا أيضا فلا نقص للشريعة القويمة » (٢).
وكذا ما ذكره شارح آخر من عدم جواز الخطإ على إجماع الأمّة لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان » (٣) ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تجتمع أمّتي على الضلالة » (٤) ، لعدم الإجماع في نحو المسائل المتجدّدة مع الخطإ في معنى الرواية ، والعجب كلّ
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٩.
(٢) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٦٧.
(٣) « الخصال » : ٤١٧ ، ح ٩.
(٤) « سنن ابن ماجة » ٢ : ١٣٠٣ ، ح ٣٩٥٠.