بمنع كون المقتضي لوجوب نصب الإمام هو تجويز الخطإ على الرعيّة ، بل العمدة هو الإجماع ونحوه.
ولا يلزم منه أن يكون معصوما ، وهذا خطأ وشبهة ؛ لعدم الإجماع سيّما من جهة واحدة ، مع أنّ نحو : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١) ، و ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (٢) ، و ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) ، كالعقل القاطع يقتضي وجوب نصب الإمام الهادي إلى الأحكام المنزّه عن الظلم والآثام.
ومنها : ما أشار إليه بقوله : « ولأنّه حافظ للشرع » ، بمعنى أنّ الإمام حافظ للشرع بالتمام ، وكلّ حافظ للشرع بالتمام يجب أن يكون معصوما ، فالإمام يجب أن يكون معصوما.
أمّا الصغرى فلأنّ الشرع لا بدّ له من حافظ ؛ لئلاّ ينتفي الغرض من الخلقة ، والحافظ إمّا العقل أو النقل ـ الكتابي والنبويّ ـ أو الإجماع أو السيرة أو الإمام ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لعدم وفائه في عشر من أعشار الأحكام التفصيليّة فضلا عن تمامها كما لا يخفى على من راجع وجدانه ، وكذا الكتاب والسنّة النبويّة ؛ لمثل ما مرّ إليه الإشارة كما لا يخفى على المتتبّع في الكتاب والسنّة ؛ لأنّ آيات الأحكام ـ مع قلّتها وتكرّرها ـ كثيرا ما تكون دلالتها على وجه الإجمال ، وكثيرا ما لا يستفاد منها إلاّ بنزر يسير من الأحكام التفصيليّة وكذا السنّة النبويّة وكذا الإجماع والسيرة ؛ لكثرة الاختلاف سيّما عند أهل المذاهب الأربعة وخصوصا في الفروض الجديدة والمسائل التي لم يتعرّضها السابقون ، ولا يستفاد ممّا مرّ آنفا.
والرجوع إلى البراءة الأصليّة أو أصل البراءة ينفيه العلم بالاشتغال في الجملة ، مع أنّه يقتضي عدم وجوب بعثة الأنبياء.
__________________
(١) الرعد (١٣) : ٧.
(٢) يونس (١٠) : ٣٥.
(٣) البقرة (٢) : ١٢٤.