بيان ذلك أنّ العلم بالأشياء بسبب الأخبار قد يكون بسبب رواية عدد يمنع العقل عن تواطئهم على الكذب في اللفظ والمعنى أو أحدهما ، سواء كانت بلا واسطة ـ كما إذا أخبر جماعة بالغة إلى الحدّ المذكور بوقوع فتنة في بلد خاصّ عن مشاهدة أو نحوها ـ أو بواسطة كما إذا كان إخبار المخبرين على الوجه المذكور عن أمثالهم بمرتبة أو أزيد لمشابهة لهم ، لتكون كلّ مرتبة منهم بالغة إلى الحدّ المذكور.
وهذا العلم تارة يكون بدون الكسب كما في ضروريّات الدين ، فإنّها وإن كانت لا تنفكّ عن المقدّمات المنتهية إلى البديهي كالسماع ، لكنّها لا تحتاج إلى المراجعة إلى المقدّمات ما دامت ضروريّة.
وتارة يكون مسبوقا بالكسب كالمسائل العلميّة المحتاجة إلى التتبّع وملاحظة الكتب ، وملاقاة أهل العلم ، والاستماع أصوليّة كانت أو فروعيّة ، ثمّ ملاحظة أنّ هؤلاء الجماعة الكثيرين لا يتواطئون على الكذب. ومن علامات النظري أنّه إذا حصل الذهول عن المقدّمات بعد حصول العلم أيضا قد يتزلزل القاطع ، وهو ممّا يحصل في كثير من المتواترات.
وقد يكون بسبب أنّ أهل العصر قاطبة مجمعون على شيء إمّا بالتصريح أو بظهور أنّ سكوتهم مبنيّ على عدم بطلان هذا النقل ونحو ذلك ، فكثرة تداول ما ذكر على الألسنة ، وعدم وجود مخالف فيه أصلا ، أو عدم مخالف يعتدّ به وإن وجد مخالف علم أنّ مخالفته لأجل عناده أو نحو ذلك تفيد القطع بصحّته ، كعلمنا بالبلاد النائية أو الخالية والأمم الماضية ، ومنه أحوال حاتم ورستم وغيرهما ؛ لأنّنا لم نسمعها إلاّ ممّن عاصرنا ، وهم لم يرووا لنا عن سلفهم أصلا فضلا عن عدد يحصل به التواتر ، وذلك هو العلم الحاصل بالتظافر ، وكان العلماء عمّموا التواتر فلم يفرّقوا بينه وبين التظافر في مقام بيان الأمثلة وإن شرطوا في تعريف التواتر حصول العدد المذكور ، وقد يكون بالقرائن.