فإن قيل : [ هذا تمثيل و ] (١) قياس للغائب على الشاهد ـ وهو على تقدير ظهور الجامع إنّما يعتبر في العمليّات ؛ لإفادة الظنّ ـ قد اعتبرتموه بلا جامع لإفادة اليقين في العلميّات التي هي أساس ثبوت الشرائع ، على أنّ حصول العلم فيما ذكرتم من المثال إنّما هو لما شوهد من قرائن الأحوال.
قلنا : التمثيل إنّما هو للتوضيح والتعريف دون الاستدلال ، ولا مدخل لمشاهدة القرائن في إفادة العلم الضروري ، لحصوله في الغائبين عن هذا المجلس عند تواتر القصّة إليهم ، وللحاضرين فيما إذا فرضنا الملك في بيت ليس فيه غيره ودونه حجب لا يقدر على تحرّيها أحد سواه ، وجعل مدّعي الرسالة حجّته ؛ لأنّ الملك يحرّك تلك الحجب من ساعته ففعل.
( وقصّة مريم وغيرها تعطي جواز ظهورها على الصالحين ) اختلفوا في جواز وقوع ما هو خارق العادة على يد غير النبيّ صلىاللهعليهوآله الصالحين ـ أعني المواظبين على الطاعات ، المجتنبين عن المعاصي ـ فذهب المعتزلة إلى منعه ؛ تمسّكا بما سيأتي ، والأشاعرة إلى ثبوته. واختاره المصنّف واحتجّ عليه بقصّة مريم كما دلّ عليه قوله تعالى : ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (٢) وغيرها مثل قصّة آصف بن برخيا كما دلّ عليه قوله تعالى : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٣) وغيرها.
منها : أنّه لو صدر عن غير النبيّ لكثر وقوعه ، ولصدوره عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بالطريق الأولى وعن غيره أيضا فخرج [ عن ] أن يكون معجزا ؛ لخروجه عن أن يكون أمرا خارقا للعادة لكثرة وقوعه.
__________________
(١) الزيادة أضفناها من المصدر.
(٢) آل عمران (٣) : ٣٧.
(٣) النمل (٢٧) : ٤٠.