وأجيب بأنّ ضرب ابن مسعود إن صحّ فقد قيل : إنّه لمّا أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد ويرفع الاختلاف بينهم في كتاب الله تعالى طلب مصحفه منه فأبى ذلك مع ما كان فيه من الزيادة والنقصان ، ولم يرض أن يجعل موافقا لما اتّفق عليه أجلّ الصحابة ، فأدّبه عثمان لينقاد ، ولا نسلّم أنّه مات من ذلك.
وضرب عمّار كان لما روي أنّه دخل عليه وأساء الأدب عليه وأغلظ له في القول بما لا يجوز الاجتراء بمثله على الأئمّة ، وللإمام التأديب لمن أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك إلى هلاكه ، ولا إثم عليه ؛ لأنّه وقع عن ضرورة فعل ما هو جائز له. كيف؟ وإنّ ما ذكره لازم على الشيعة حيث قيل : إنّ عليّا عليهالسلام قتل أكثر الصحابة في حربه ، فإذا جاز القتل لمفسدة جاز التأديب بالطريق الأولى.
وضرب أبا ذرّ ؛ لأنّه قد بلغه أنّه كان في الشام إذا صلّى الجمعة وأخذ الناس في مناقب الشيخين يقول لهم : أرأيتم ما أحدث الناس بعدهما؟ شيّدوا البنيان ، ولبسوا الناعم ، وركبوا الخيل ، وأكلوا الطيّبات. وكاد يفسد بأقواله الأمور ويشوّش الأحوال ، فاستدعاه من الشام فكان إذا رأى عثمان قال : ( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) (١) فضربه عثمان بالسوط على ذلك تأديبا له. وللإمام ذلك بالنسبة إلى كلّ من أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك التأديب إلى هلاكه ، ثمّ قال : إمّا أن تكفّ وإمّا أن تخرج إلى حيث شئت ، فخرج إلى الربذة غير منفيّ ومات بها.
[٥] ومنها : أنّه ( أسقط القود عن ابن عمر ) (٢) ومنها أنّه أسقط ( الحدّ عن الوليد مع وجوبهما عليهما ). أمّا وجوب القود على عبد الله بن عمر ؛ لأنّه قتل الهرمزان ملك الهوازن ، وقد أسلم بعد ما أسر في فتح أهواز.
__________________
(١) التوبة (٩) : ٣٥.
(٢) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٣ : ٥٩ ؛ « طبقات ابن سعد » ٥ : ١٦ ؛ « الشافي » ٤ : ٢٣٠ ؛ « أسد الغابة » ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.