القرآن المجيد ؛ لكونه ثابتا بالتواتر والتظافر المفيدين للقطع واليقين ، كما في العلم بالبلاد النائية ، والقرون الماضية ، والملوك الحالية ، وذوي السخاوة والشجاعة والعدالة ، ومؤلّف الكتب بحيث لا يمكن إنكاره ولا يقبل التشكيك.
وهكذا حصل القطع واليقين أنّ محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله قد ادّعى النبوّة وأتى على طبقها بالقرآن المجيد ، وتحدّى بطلب معارضته ، وعجز عن المعارضة الفصحاء والبلغاء المشهورون ، ولم يقدروا على معارضته مع تطاول الأزمنة ، فهذا العجز والتعذّر معجز خارق للعادة.
فأمّا الذي يدلّ على أنّه صلىاللهعليهوآله ادّعى النبوّة ، وأتى بالقرآن ، وادّعى أنّ جبرئيل يهبط عليه ، وأنّ الله قد أبانه به ، فهو اتّفاق الموافق والمخالف ، وكونه ضروريّا عند الكلّ ، والقرآن ناطق بذلك ، كقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (١) ونحو ذلك.
وأمّا الذي يدلّ على انتفاء المعارضة منهم فهو أنّه لو وقعت المعارضة ، لوجب ظهوره ونقله ، وحيث لم ينقل قطعنا بانتفائه.
وأمّا وجوب النقل والظهور ؛ فلتوفّر الدواعي وشدّة الاهتمام بإطفاء نوره صلىاللهعليهوآله ، كيف لا؟ وقد نقل عن مسيلمة الكذّاب حين ادّعى النبوّة والوحي من الله ما ليس قابلا للنقل مثل قوله : « الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل » (٢).
وأمّا انتفاء النقل فهو ظاهر ؛ إذ لم ينقل من المتصدّين لإطفائه خبر واحد دالّ على الإتيان بما يعارض القرآن فضلا عن المتواتر ، حتّى نقل أنّ الوليد بن المغيرة ـ من جهة نهاية حسده وعداوته وإجابة قومه ـ كان في الليالي متفكّرا في الإتيان
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٣.
(٢) انظر « إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة » : ١٧٥.