« أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتّبعتموه؟ » قال : بلى ، قال : « فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون وأتى به موسى وعيسى ومحمّد صلىاللهعليهوآله فما عذركم في ترك الإقرار لهم ؛ إذ كنتم إنّما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار المتواترة بأنّه جاء بما لم يجئ به غيره؟ » فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرضا عليهالسلام : « يا قوم ، إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم » فقام إليه عمران الصابي ـ وكان واحدا في المتكلّمين ـ فقال : يا عالم الناس ، لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل ، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ، ولقيت المتكلّمين فلم أقف على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيّته ، أفتأذن أن أسألك؟
قال الرضا عليهالسلام : « إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو » ، قال : أنا هو ، قال : « سل يا عمران ، وعليك بالنصفة ، وإيّاك والخطل والجور » فقال : والله يا سيّدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئا أتعلّق به ، فلا أجوزه ، قال : « سل عمّا بدا لك » فازدحم الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض ، فقال عمران : أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق؟
فأجاب عليهالسلام بذكر صفات الله وأفعاله كما ينبغي ، فقال : « فهمت يا عمران؟ » قال : نعم ، يا سيّدي فهمت ، وأشهد أنّ الله على ما وصفت ووحّدت ، وأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله عبده المبعوث بالهدى ودين الحقّ ، ثمّ خرّ ساجدا نحو القبلة وأسلم.
فلمّا نظر المتكلّمون إلى كلام عمران الصابي ـ وكان جدلا لم يقطعه من حجّته أحد قطّ ـ لم يدن من الرضا عليهالسلام أحد منهم ، ولم يسألوه عن شيء ، فنهض المأمون والرضا عليهالسلام فدخلا ، وانصرف الناس ، فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتّى اجتنبوه ، وولاّه الرضا عليهالسلام صدقات بلخ » (١).
انتهى ما أردنا نقله وهو كاف لمن تابع عقله.
__________________
(١) « الاحتجاج » ٢ : ٤١٥ ـ ٤٢٥.