« أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تُساق الأُسراء أن بنا هوانا على اللّه وبك عليه كرامة ، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول اللّه تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (١) » (٢).
ثم دعت الناس ـ ضمنيا ـ إلى التقييم السليم للمواقف والأشخاص من خلال التفريق بين أولاد الأنبياء وأبناء الطلقاء أقرأ المقطع الآخر من هذه الخطبة البليغة ، الذي وجّهت فيه زينب عليهاالسلام سياط كلماتها إلى الطاغية يزيد ، فذكّرته بأنه من أبناء الطلقاء الذين أطلقهم الرسول صلىاللهعليهوآله يوم فتح مكة .. قالت له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول اللّه صلىاللهعليهوآله سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ولا من حماتهنّ حمي! وكيف يُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأولياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! ـ إلى أن تقول ـ : ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب اللّه النجباء بحزب
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٨.
(٢) اللهوف : ١٠٥.