ومع ذلك لم يستجيبوا لدعوته الحقة بعدما غشيت الأطماع أبصارهم ، وغشي الجهل بصائرهم.
ولما تناهى إليه وهو في طريقه الى الكوفة خبر مقتل سفيره قيس بن مسهّر الصيداوي ، تلا الآية الشريفة : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ، (١) ) وأثنى على وفاته ، وترحّم عليه.
وردّد نفس هذه الآية عندما تناهى إلى سمعه مصرع مسلم بن عوسجة ، فمشى إليه ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الإمام عليهالسلام : « رحمك اللّه يا مسلم » ، ثم قرأ : ( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. (٢) )
وعن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي ، قال : « فلمّا أمسى حُسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، قال : فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا ، وإنّ حسينا ليقرأ : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّه لِيَذَرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ (٣) ). فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ، مُيِّزْنا منكم. قال : فعرفته فقلت لبُرير بن خُضَير : تدري من هذا؟ قال : لا ، قلت : هذا أبو
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٣.
(٣) سورة آل عمران : ١٧٨ ، ١٧٩.