تنضبط عدسة الرؤية لدينا على منظور سليم ، وسوف نجد أنه « لما مضى الإمام الحسن بن علي عليهالسلام شهيدا نتيجة غدر خصمه معاوية ، قضى الإمام الحسين عليهالسلام فترة طويلة في عهد معاوية لم يحرّك ساكنا ولم يدع إلى الثورة ، التزاما منه بشروط صلح الحسن عليهالسلام وتقيّده به حتى بعد وفاة أخيه وطيلة حياة معاوية بعد رحيل الحسن عليهالسلام رغم إلحاح الشيعة عليه بالثورة على معاوية لأنه نقض من جانبه كل شروط الصلح ولم يف بشرط واحد منها.
لقد عانى المسلم الشيعي منذ عهد معاوية بن أبي سفيان ألوانا شتَّى من الاضطهاد والملاحقة والترويع ؛ كان مطاردا من قبل السلطة ، فقلما شعر بالأمن ، وكانت هذه السلطة تحاربه في مصادر عيشه إذا لم تقض عليه ولم تصادر حرّيته ، وكان في أحسن الحالات مواطنا من الدرجة الثانية ، كل هذا بسبب بعض مواقفه العقيدية ، وبسبب اتجاهه الفقهي ، حيث إنه تبع أئمة أهل البيت ، فكانوا مرجعه في فقه الشريعة الإسلامية » (١).
مع كل ذلك كان الحسين عليهالسلام يرفض طلبهم بشدة ويذكر : « أنّ بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوزُ له نقضه حتى تمضي المدّةُ ، فإن مات معاوية نظر في ذلك » (٢). حرصا منه على وحدة المسلمين ، مع أنه كان قادرا على أن يُثير جمهورا كبيرا من المسلمين ضد حكم معاوية البغيض ، لا سيما وأنه تفنّن في التنكيل بشيعته.
على أن الحسين عليهالسلام لم يكن ملجوم اللّسان ، مختوم الشفتين ، فالشواهد
__________________
(١) انظر : ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٤٤.
(٢) الإرشاد ٢ : ٣٢.