وما استدلّ به على طهارة الدم المتخلف أُمور :
الأوّل : الإجماع ، وقد مرّ غير مرّة أن الإجماع إنما يعتمد عليه فيما إذا كان تعبدياً كاشفاً عن رأيه عليهالسلام وليس الأمر كذلك في المقام للاطمئنان ولا أقل من احتمال أن يكون مدرك المجمعين أحد الوجوه الآتية في الاستدلال.
الثاني : أن لحم كل ذبيحة يشتمل على مقدار من الدم ولو مع المبالغة في غسله وقد حكم بحلية أكله شرعاً مع ما فيها من الدم ، وهي أخص من الطهارة ، لأنّ حلية الأكل من طواري الأشياء الطاهرة لعدم جواز أكل النجس شرعاً ، فهذا يدلّنا على طهارة الدم المتخلف في الذبيحة. وهذا الوجه إنما يتم فيما يتبع اللحم من الأجزاء الدموية المستهلكة في ضمنه ولذا يحل أكله ، والأمر فيه كما أُفيد ونزيد عليه أن موضع الذبح لا يمكن تخليصه من الدم عادة ، بل ترى أن الدم يتقاطر منه إذا عصر وإن غسل متعدِّداً ، ومعه حكم الشارع بطهارته بعد غسله وهذا كاشف عن طهارة الدم المتخلف في المذبح وغيره من أجزاء الذبيحة ، إلاّ أنه لا يتم في الأجزاء الدموية المستقلة في الوجود كما يوجد في بطن الذبيحة أو في قلبها أو في سائر أجزائها بحيث إذا شق سال منه دم كثير فإنها غير محللة الأكل شرعاً ، فهذا الوجه لا يقتضي طهارة الدم المتخلف مطلقاً.
الثالث : وهو الوجه الصحيح ، استقرار سيرة المتشرعة المتصلة بزمان المعصومين عليهمالسلام على عدم الاجتناب عما يتخلف في الذبيحة من الدم كان تابعاً للحمها أم لم يكن ، مع كثرة ابتلائهم بالذبائح من الإبل والغنم والبقر ، ولا سيما في الصحاري والقفار الخالية عن الماء فإنهم غير ملتزمين بتطهير لحمها وما يلاقيه من أثوابهم وأبدانهم ، بل ولا يمكن تطهيره بتجريده من الدم إلاّ يجعله في الماء مدة ثم غسله وعصره ونحو ذلك مما نقطع بعدم لزومه شرعاً ، ومع هذا لو كان الدم المتخلف في الذبيحة نجساً لبان وذاع ، وبهذه السيرة نخرج عن عموم ما دل على نجاسة الدم ، ولولاها لم نتمكن من الحكم بطهارة الدم المتخلف بوجه لعموم نجاسته. نعم ، بناء على عدم نجاسة مطلق الدم لعدم تمامية العموم لا مانع من التمسك بقاعدة الطهارة في الحكم بطهارة الدم المتخلف.