واستدلّ عليه تارة بما يرجع حاصله إلى المنع الصغروي ، حيث ذكر أنّ العصير العنبي إذا نش وغلى بنفسه ولو بمعونة أمر خارجي غير منفرد في الاقتضاء كالشمس وحرارة الهواء ونحوهما كما إذا مضت عليه مدّة لا محالة يصير مسكراً ، لأنه ببقائه مدة من الزمان يلقى الزبد وتحدث فيه حموضة وهي التي يعبّر عنها في الفارسية بـ « ترشيدن » فبه ينقلب مسكراً حقيقياً ، وهو إذن من أحد أفراد الخمر والمسكر ولا إشكال في نجاسة الخمر كما مر. والتكلم في الصغريات وإن كان خارجاً عن الأبحاث العلمية إلاّ أن ما أفاده قدسسره لو تمّ وثبت اقتضى التفصيل في المسألة من دون حاجة إلى إقامة الدليل والبرهان عليه ، لأن ما قدمناه من الأدلة على نجاسة الخمر يكفينا في الحكم بنجاسة العصير إذا غلى من قبل نفسه لأنه فرد من أفراد الخمر حينئذ ، إلاّ أنه لم يثبت عندنا أن العصير إذا غلى بنفسه ينقلب خمراً مسكراً كما لم يدع ذلك أهل خبرته وهم المخلِّلون وصنّاع الخل والدبس ، بل المتحقق الثابت خلافه ، فانّ صنع الخمر وإيجادها لو كان بتلك السهولة لم يتحمّل العقلاء المشقّة في تحصيلها من تهيئة المقدّمات والمئونات وبذل الأموال الطائلة في مقابلها ، بل يأخذ كل أحد مقداراً من العصير ثم يجعله في مكان فاذا مضت عليه مدّة ينقلب خمراً مسكراً. نعم ، ربما ينقلب العصير الذي وضع لأجل تخليله خمراً ، إلاّ أنه أمر قد يتّفق من قبل نفسه وقد لا يتّفق.
وأُخرى منع عن كبرى نجاسة مطلق العصير بالغليان ، وعمدة ما اعتمد عليه في ذلك أمران :
أحدهما : دعوى أن كل رواية مشتملة على لفظة الغليان من الأخبار الواردة في حرمة العصير إنما دلت على أنه لا خير في العصير إذا غلى أو لا تشربه إذا غلى أو غيرهما من المضامين الواردة في الروايات ، إلاّ أن الحرمة أو النجاسة على تقدير القول بها غير مغياة في تلك الأخبار بذهاب الثلثين أبداً ، وعليه فلا دلالة في شيء منها على أن الحكم الثابت على العصير بعد غليانه يرتفع بذهاب ثلثيه بل ليس من ذلك في الروايات عين ولا أثر ، كما أن كل رواية اشتملت على التحديد بذهاب الثلثين فهي مختصّة بالعصير المطبوخ أو ما يساوقه كالبختج والطلا ، والجامع ما يغلي بالنار.