ـ كما في نفس تلك الروايات وكذلك العكر عبارة عن ثفل التمر يضرب به الإناء حتى يهدر النبيذ فيغلي أو أنها حب يؤتى به من البصرة فيلقى في النبيذ حتى يغلي وإن لم يظهر أنه أي حب فلعل الوجه في نهيه عما كان مشتملاً على القعوة من النبيذ إنما هو صيرورته مسكراً بسببها بحيث لولا ما فيه من القعوة والعكر لم يكن يتحقق فيه صفة الإسكار بوجه ، فهما مادتان للمسكر في الحقيقة كما أن مادة الجبن كذلك حيث إنه لولاها لم يوجد الجبن.
ويدلّنا على ذلك ما ورد في بعض الروايات : « شه شه تلك الخمرة المنتنة » بعد قول السائل : إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك (١) ، وعليه فلا مجال للاستدلال بهذه الأخبار على حرمة النبيذ بعد غليانه فيما إذا لم يوجب الإسكار.
هذا وقد يستدل في المقام بحسنة عبد الله بن سنان « كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » (٢) نظراً إلى أن عموم قوله « كل عصير ... » شامل لعصير الزبيب أيضاً فإذا أصابته النار فلا محالة يحكم بحرمته. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من المناقشة.
أمّا أوّلاً : فلأن الظاهر المنسبق إلى الأذهان من لفظة العصير بحسب العرف واللغة إنما هو الرطوبة المتكونة فيما يعصر من الأشياء كالبرتقال والعنب ونحوهما فيما إذا استخرجت بعصره ، فيقال هذا المائع عصير العنب أو البرتقال وهكذا. نعم ، ذكر صاحب الحدائق أنّ العصير اسم مختص بماء العنب ولا يعم غيره (٣). ولعلّ مراده أن العصير الوارد في روايات المسألة مختص بماء العنب ، وأمّا بحسب اللّغة فقد عرفت أنه اسم للماء المتحصل من مثل البرتقال وغيره مما هو مشتمل على رطوبة متكوِّنة في جوفه ، ومن الظاهر أن الزبيب غير مشتمل على رطوبة متكونة في جوفه حتى تستخرج بعصره ويصدق عليها عنوان العصير ، ومجرّد صبّ الماء عليه خارجاً
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.
(٢) المتقدِّمة في ص ١٠٥.
(٣) الحدائق ٥ : ١٢٥.