دلّت على أن كل عصير أصابته النار فقد حرم سواء أصار دبساً بعد ذلك أم لم يصر.
الثاني : أن الغاية المقصودة من ذهاب الثلثين متحققة عند صيرورة العصير دبساً ومع حصول الغاية والغرض بذلك لا وجه للحكم بحرمته. ولا يخفى أن هذه الدعوى جزافية بحتة ، إذ من أخبرنا بما هو الغاية المقصودة من ذهاب الثلثين في العصير حتى نرى أنها حاصلة في المقام عند صيرورته دبساً أو غير حاصلة.
الثالث : ما عن الشهيد الثاني قدسسره من أن العصير إذا صار دبساً فقد انقلب من حال إلى حال ، والانقلاب من أحد موجبات الطهارة والحل كما في انقلاب الخمر والعصير خلاً (١). وفيه : أن الانقلاب غير الاستحالة والاستهلاك ، إذ الاستحالة عبارة عن انعدام شيء ووجود شيء آخر عقلاً وعرفاً وإما بحسب العرف فقط ، ومن هنا لا يصح أن يطلق المطهّر على الاستحالة إلاّ على وجه المسامحة ، لأنّ ما هو الموضوع للحكم بالنجاسة قد زال وأما ما وجد فهو موضوع جديد ، فارتفاع النجاسة وغيرها من أحكامه مستند إلى ارتفاعه بنفسه وانعدامه بصورته ، لأن شيئية الشيء إنما هي بصورته النوعية ، والاستحالة هي انعدام صورة نوعية ووجود صورة أُخرى عقلاً وعُرفاً وإمّا بالنظر العرفي فحسب ، لوضوح أن الصور النوعية العُرفية هي الموضوع للأحكام الشرعية في أدلّتها ومع ارتفاع موضوع الحكم وانعدامه لا موضوع ليطرأ عليه حكمه. وأما القدر المشترك بين الصورتين النوعيتين المعبّر عنه بالهيولى عند الفلاسفة فلا حكم له في الشريعة المقدسة لاشتراكه بين موجودات العالم بأسرها ، مثلاً إذا استحال كلب ملحاً أو الخشبة المتنجسة رماداً ترتفع عنهما نجاستهما لانعدام موضوعها ، لأنّ الموجود غير المنعدم على الفرض ، وهذا بخلاف الانقلاب لأنه عبارة عن تبدل وصف بوصف آخر كتبدل الحنطة خبزاً من دون تبدل في الصور النوعية بوجه ، حيث إن الخبز والدقيق عين الحنطة وإنما الاختلاف في الأوصاف ، ولم يدلّنا دليل على أن الانقلاب موجب للطهارة أو الحلية. نعم ، خرجنا عن ذلك في خصوص الانقلاب خلاًّ بالنص ولا يمكننا التعدِّي عن مورده إلى غيره ، ومن هنا إذا
__________________
(١) راجع الروضة البهيّة ١ : ٦٧.