( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (١) فإنّ مسح الوجه أو الرأس بالأرض والتراب كان من الأُمور المستصعبة في تلك الأزمنة لأنه نهاية الذل وغاية الخضوع ، فبيّن سبحانه أنه لا يريد بأمره هذا أن يجعلهم في مشقة وحرج وإنما أراد أن يطهِّرهم ، فقد أُطلقت الطهارة على التيمم كما ترى ، وفي الرواية « إنّ التيمّم أحد الطّهورين » (٢) ولو لا كونه طهارة لزم التخصيص فيما دلّ على اشتراط الطهارة في الصلاة لصحة صلاة المتيمم وهو غير متطهر وهو آب عن التخصيص ، فكون التيمم طهوراً مما لا إشكال فيه.
وإنما الكلام في أن الطهارة الحاصلة بالتيمم رافعة للجنابة حقيقة إلى زمان التمكن من الماء وتعود الجنابة بعده ، وهذا لا بمعنى أن التمكن من أسباب الجنابة لانحصار سببها بالوطء والإنزال ، بل بمعنى أن رافعية التيمم للجنابة موقتة بوقت ومحدودة من الابتداء بحد وهو زمان عدم التمكن من الماء واستعماله ، وعليه فيترتب على التيمم كل ما كان يترتب على الطهارة المائية من جواز الدخول معها في الصلاة ومس كتابة القرآن وغيرهما من الآثار ، أو أن الطهارة الحاصلة بالتيمم مبيحة للدخول في الصلاة فحسب لا بمعنى أن التيمم ليس بطهور بل بمعنى أنه طهور غير الطهارة المائية ، فلنا طهارتان : المائية والترابية وهما طهارة واجد الماء وطهارة الفاقد له ، والطهارة الثانية إنما يترتب عليها إباحة الدخول في الصلاة معها وإباحة كل ما هو مشروط بالطهارة فهو مع جنابته شرعاً وواقعاً حكم عليه بجواز الدخول في الصلاة مثلاً لا أنه خرج من الجنابة كما إذا اغتسل.
والثاني هو المتعيِّن ، وذلك لأنه لا يكاد يستفاد من أدلّة كفاية التيمم بدلاً من الغسل أن التيمم رافع للجنابة حقيقة ، لأن أدلة التيمم إنما دلت على كفايته وبدليته في المطهرية فلا يمكننا الحكم بأنه كالطهارة المائية يرفع الجنابة حقيقة ، فيتعين أن يكون التيمم مبيحاً. وتبتني عليهما فروع : منها : ما إذا تيمم بدلاً عن الغسل ثم أحدث
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ ، ب ٢٣ ح ٥.