مما يحرم أكله شرعاً ، فلا محيص من تأويله إما بحمله على الحصر الإضافي بدعوى أن المحرمات بالإضافة إلى ما جعلته العرب محرّماً على أنفسها في ذلك العصر منحصرة في تلك الأُمور ، وإما بحمله على زمان نزول الآية المباركة وانحصار المحرمات فيها في ذلك الزمان للتدرج في بيان الأحكام ، وعلى أيّ حال لا يستفاد من الآية المباركة حلية أكل الدم المتخلف بوجه.
وإن كان نظره قدسسره إلى توصيف الدم في الآية المباركة بكونه مسفوحاً وأن مفهوم الوصف يقتضي حلية غير المسفوح منه فيتوجه عليه : أنّا وإن التزمنا بمفهوم الوصف أخيراً إلاّ أن مفهومه على ما شرحناه في محله أن الحكم لم يترتب على طبيعة الموضوع أينما سرت لاستلزام ذلك لغوية التوصيف إلاّ فيما إذا كان له فائدة ظاهرة فيستفاد منه أن الحكم مترتب على حصة خاصة منها ، مثلاً إذا ورد أكرم الرجل العادل ، يدل توصيف الرجل بالعدالة على أن طبيعية على إطلاقه غير واجب الإكرام وإلاّ لم يكن وجه لتقييده بالعدالة بل إنما يجب إكرام حصة خاصة منه وهو الرجل المتصف بالعدل ، ولكن لا دلالة له على أن فاقد الوصف أعني المتصف بصفة أُخرى غير محكوم بذلك الحكم ولو بسبب وصف آخر (١) وعلى الجملة أن التوصيف وإن كان ظاهراً في الاحتراز إلاّ أنه لا يدل على نفي الحكم عن غير موصوفه ، فالآية لا دلالة لها على عدم حرمة الدم غير المسفوح ، ويشهد بذلك أن صاحب الحدائق قدسسره لا يرى طهارة غير المسفوح من الدماء كالدم الخارج عند حك البدن والخارج من الجروح ودم الحيض وغيرها مما لا يصدق عليه عنوان المسفوح. بل يمكن أن يقال : إن المسفوح بمعنى المراق فكل دم تجاوز عن محله فهو مسفوح ومراق ولا اختصاص له بالدم الخارج بالذبح ، فاذا شق بطن الذبيحة فسال منه الدم فهو دم مسفوح ومراق فيحرم أكله ، وينحصر غير المسفوح بما يتبع اللحم ويعد جزءاً منه هذا كله مضافاً إلى دلالة الآية المتقدمة وبعض الأخبار على حرمة مطلق الدم.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.