حرمة الدم المتخلف مطلقاً ناسباً عدم الخلاف في حليته إلى الأصحاب (١) واستدلّ عليه بوجوه منها : قوله عزّ من قائل ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ... ) (٢) بدعوى أنه يقتضي حلية أكل الدم المتخلف في الذبيحة.
ومنها : الأخبار الواردة في عد محرمات الذبيحة ولم تذكر الدم من محرماتها ، ثم استضعف دلالتها. والوجه في استضعافه أن الأخبار المذكورة غير واردة في مقام حصر المحرمات كي تدل على حلية غير ما عدّ فيها من المحرمات وإنما وردت لبيان حرمة الأُمور المذكورة فيها فحسب ، ومعه يمكن أن يكون في الذبيحة محرم آخر كيف وقد دلّ قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... ) (٣) كبعض الروايات (٤) على أن الدم من جملة المحرمات. ومن هذا يظهر أن نسبة عدم الخلاف في حلية أكل الدم المتخلف إلى الأصحاب غير واقعة في محلها ، لأنه مع دلالة الآية المباركة والأخبار على حرمة أكله مطلقاً كيف يمكنهم الذهاب إلى حليته. ودعوى أن الحرمة مختصة بالدم المسفوح تحتاج إلى دليل وهو مفقود على الفرض.
وأما الوجه الأول من استدلاله ففيه : أنه لم يبين كيفية استدلالة بالآية المباركة وكلامه في تقريب دلالتها مجمل ، فان كان نظره إلى أن الآية المباركة دالة على حصر المحرمات فيما ذكر فيها من الأُمور كما هو مقتضى كلمة « إلاّ » الواقعة بعد النفي ولم يعد منها الدم المتخلف ، فيدفعه : أن الحصر في الآية المباركة لا يمكن أن يكون حقيقياً لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن ، لوضوح أن المحرّمات غير منحصرة في تلك الأُمور فإن منها السباع ومنها المسوخ ومنها أموال الناس بغير إذنهم ومنها غير ذلك
__________________
(١) الحدائق ٥ : ٤٥.
(٢) الأنعام ٦ : ١٤٥.
(٣) المائدة ٥ : ٣.
(٤) الوسائل ٢٤ : ٩٩ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ١ ح ١ ، ٣.