تحصيل العلم بالواقع في مقام الامتثال أو أن له أن يكتفي بالشك والاحتمال في فراغ ذمّته؟
لا ينبغي الإشكال في أنّ الوسواسي يجوز أن يكتفي في امتثاله بالشك ولا يجب عليه تحصيل العلم بالفراغ ، وذلك لأنّ شكّه خارج عن الشكوك المتعارفة عند العقلاء فلا يشمل مثله الشك الذي أُخذ في موضوع الأُصول فلا يجري في حقه الاستصحاب ولا غيره ، ولا مناص معه من أن يمتثل على النمط المتعارف عند العقلاء ، ولا يضرّه الشك في صحة ما أتى به على النحو المتعارف ، وذلك للأخبار الواردة في من كثر سهوه (١) حيث دلّت على أنه يكتفى بالشك والاحتمال ولا يجب عليه تحصيل العلم بإتيان المأمور به ، لأنه إذا ثبت ذلك عند كثرة الشك فيثبت مع الوسواس الذي هو أشدّ من كثرة الشك بالأولوية القطعية.
الجهة الثانية : إذا شهد الوسواسي بنجاسة شيء وأخبر بها فهل يعتمد على إخباره وشهادته أو لا اعتبار بهما لاستنادهما إلى علمه واعتقاده وهو في ذلك قطاع لأنّ علمه إنما يحصل من الأسباب التي لا يحصل لغيره منها ظن بل ولا احتمال؟
المتعين هو الثاني للعلم بأن إخباره وشهادته مستندان إلى وسوسته أو إلى سبب لا يفيد غيره ظنا ولا احتمالاً. وقد نقل عن بعض المقلّدين انه كان يتوضأ وهو على سطح دار فاعتقد أنّ قطرة من ماء الوضوء قد طفرت من الأرض وصعد الهواء بها إلى أن وقعت على رقبته وصار هذا سبباً لزوال وسوسته حيث تنبه أنه من الشيطان إذ كيف يطفر الماء من الأرض ويصعد إلى أن تقع على رقبته.
وعن بعض المتقدمين أنه كان يعتقد نجاسة جميع المساجد الكائنة في النجف من جهة انفعال الماء القليل بملاقاة الآلات والأدوات المستعملة في البناء ، وأعجب من الجميع ما حكى عن وسواسي عامي أنه كان يحلق لحيته مقدمة لوصول الماء إلى بشرته لاعتقاد أن اللحية ولو خفيفها مانعة عن وصول الماء إلى البشرة ، ومن البديهي أن الاخبار المستند إلى تلك الاعتقادات السخيفة الخيالية مما لا مساغ للاعتماد عليه.
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١ ٦.