حيث إنه الظاهر منها بعد القطع بعدم مدخلية خصوص الرؤية في الحكم بنجاسته ، إذ لو علم بها علماً وجدانياً ولو من غير طريق الرؤية كما إذا علم بها باللّمس في اللّيل المظلم أيضاً يحكم بنجاسته ، وحيث إنه قد أُخذ في موضوع الحكم بما أنه صفة وجدانية فلا يقوم الاستصحاب مقامه ، ومعه لا بد من الحكم بطهارة الحيوان عند الشك في بقاء العين على بدنه وزوالها عنه بلا فرق في ذلك بين القول بعدم تنجس الحيوان من الابتداء وبين القول بتنجسه وطهارته بزوال العين عنه.
هذا ، ثم لو تنزلنا عن ذلك وقلنا أن الرؤية كناية عن العلم الكاشف سواء كان وجدانياً أم تعبدياً ، أو عملنا بما ورد في بعضها من قوله عليهالسلام : « وإن لم تعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب » (١) وقلنا إنّ المراد بالعلم فيها أعم من الوجداني والتعبّدي كما في قوله عليهالسلام : « كل شيء نظيف حتى تعلم ... » (٢) وقوله عليهالسلام : « كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف ... » (٣) فلا مناص من الحكم بنجاسة ملاقي الحيوان بالاستصحاب لأنه يقوم مقام العلم الطريقي وبه يثبت بقاء النجاسة على بدنه بلا فرق في ذلك بين المسلكين ، فان استصحابها لا يكون مثبتاً حينئذ على القول بعدم تنجس بدن الحيوان ، وذلك لأنه إنما يكون مثبتاً فيما إذا اعتبرنا في موضوع الحكم بنجاسة الملاقي ملاقاته للعين النجسة كما هو الحال مع قطع النظر عن الأخبار ، وأما إذا قلنا إن الموضوع في الحكم بنجاسة الملاقي إنما هو ملاقاته لعضو من أعضاء الحيوان كالمنقار لأنه مقتضى الروايات المتقدِّمة ، حيث دلّت على نجاسة ما لاقاه منقار الجوارح أو غيرها مشروطاً بما إذا علمت أن في منقارها قذراً ، فلا يكون الاستصحاب مثبتاً بوجه لإحراز ما هو الموضوع بنجاسة الملاقي وهو ملاقاة المنقار مثلاً بالوجدان كما أن شرطه وهو وجود النجاسة فيه محرز بالاستصحاب. هذا ولكن الأظهر أنّ الرؤية بمعنى خصوص العلم الوجداني ومعه لا يترتّب على استصحاب بقاء النجاسة أثر على كلا المسلكين.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٣١ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٣.
(٢) كما في موثقة عمّار المروية في الوسائل ٣ : ٤٦٧ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.
(٣) الوسائل ٢٥ : ١١٨ / أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ح ١.