تعدّد المراتب للنجاسة بحسب الشدة والضعف ، ولا يرد عليه إذا قلنا به أي شيء؟ وليعلم قبل ذلك أن البحث عن أصالة عدم التداخل أجنبي عن مسألتنا هذه بتاتاً وذلك لأن البحث عن عدم التداخل يختص بما إذا كانت الأوامر مولوية ولكل واحد منها شرط أو موضوع ، كما إذا ورد : إن ظاهرت فكفّر وإن أفطرت فكفر ، فيقال حينئذ إن ظاهر كل شرط أنه سبب مستقل في استتباعه الحكم المترتب عليه ، وحيث إنّ الشيء الواحد لا معنى للبعث نحوه ببعثين فلا مناص من تقييد متعلق كل من الأمرين بفرد دون فرد آخر ويقال إن ظاهرت يجب عليك فرد من الكفارة وإن أفطرت يجب عليك فرد آخر منها ، وأما إذا كانت الأوامر إرشادية فلا شرط ولا حكم فيها حتى يقال إنّ ظاهر كل من الشرطين أنه سبب مستقل يستدعي حكماً باستقلاله ، ولاستحالة البعث إلى شيء واحد مرّتين لا بدّ من تقييد متعلقهما بفرد غير الفرد الآخر ، وهذا لوضوح أنه لا بعث في الإرشاد ، والقول بعدم التداخل نتيجة استحالة البعث نحو الشيء مرتين ، إذ الإرشاد في الحقيقة كالاخبار ولا مانع من حكاية شيء واحد مرتين ، وهذا كما في قوله عليهالسلام : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) لأنه إرشاد إلى أمرين : أحدهما : نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه ونجاسة ملاقيها. وثانيهما : عدم ارتفاع نجاستها بغير الغسل ، فلو فرضنا أن مثله ورد في نجس آخر كما إذا ورد اغسل ثوبك من الدم مثلاً فإنه أيضاً يكون إرشاداً إلى الأمرين المتقدِّمين ، ففي موارد اجتماعهما كما إذا أصاب كل منهما الثوب أمران إرشاديان إلى نجاسة ملاقي كل من النجسين ولا محذور في اجتماعهما ، حيث لا بعث كي لا يجتمع اثنان منه في مورد واحد ، وإنما حالهما حال الحكاية كما عرفت ، وما أشبههما بالإخبار عن التقذر بالقذارة الخارجية ، كما إذا ورد نظِّف ثوبك من وساخة التراب وورد نظِّف ثوبك من وساخة الرماد ، فهل يتوهّم أحد أنّ الثوب المشتمل على كلتا الوساختين لا بدّ من تنظيفه مرّتين ولا يكفي تنظيفه مرّة واحدة ، فالمتحصل أنّ المسألة أجنبية عن أصالة عدم التداخل بالكلية.
__________________
(١) كما في حسنة عبد الله بن سنان المروية في الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.