والإنصاف أن ما أفاده من استلزام القول بمنجسية المتنجس على وجه الإطلاق القطع بنجاسة أكثر الأشياء والأشخاص بل الجميع متين غايته ، ولا سيما في أمثال بغداد وطهران ونحوهما من بلاد الإسلام المحتوية على المسلم والكافر بأقسامهما ، إذ الأماكن الاجتماعية في أمثالهما كالمقاهي لا تنفك عن القطع بإصابة نجس أو متنجس لها ، فلو كان المتنجس منجّساً لاستلزم ذلك القطع بنجاسة جميع ما في العالم ، والأمر بالاجتناب عن الجميع أمر غير قابل للامتثال ، فبه يصبح الحكم بمنجسية المتنجس والأمر بالاجتناب عنه لغواً ظاهراً. ودعوى عدم حصول القطع بملاقاة النجس أو المتنجس في أمثال الأواني الموضوعة في الأماكن العامة عهدتها على مدعيها.
بل ذكر المحقق الهمداني قدسسره في طي كلامه : « أن من زعم أن هذه الأسباب غير مؤثرة في حصول القطع لكل أحد بابتلائه في طول عمره بنجاسة موجبة لتنجس ما في بيته من الأثاث مع إذعانه بأن إجماع العلماء على حكم يوجب القطع بمقالة المعصوم عليهالسلام لكونه سبباً عاديا لذلك ، فلا أراه إلاّ مقلداً محضاً لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادي المحسوسة فضلاً عن أن يكون من أهل الاستدلال (١). فإنكار حصول العلم بالنجاسة خلاف الوجدان.
والجواب عن ذلك : أنّ هذه المناقشة أنما ترد فيما إذا قلنا بتنجيس المتنجس على وجه الإطلاق ، وأما إذا اكتفينا بمنجسية المتنجس بلا واسطة في كل من الجوامد والمائعات دون المتنجس مع واسطة أو واسطتين أو أكثر ، أو قلنا بتنجيس المتنجس من غير واسطة والمتنجس معها في خصوص المائعات دون غيرها من الجوامد ، فأين يلزم العلم بنجاسة جميع ما في العالم من الأشخاص والأبنية والأثاث ، لانقطاع الحكم بالمنجسية في المتنجس مع الواسطة ، وقد أشرنا أنّا لا نلتزم بمنجسية المتنجس في غير الواسطة الاولى في الجوامد بوجه ، إلاّ أنّا لا نحكم بعدم منجسيته مخافة الإجماع المدعى على تنجيس المتنجس مطلقاً والوقوع في خلاف الشهرة المتحققة في المسألة.
ومما ذكرناه في الجواب عن ذلك ظهر الجواب عن الأمر الثاني من استدلالهم ، وهو
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٧٩ السطر ١٨.