فلا نحكم باعتبار التعفير في تطهيره لعدم ولوغ الكلب فيه ولعل هذا مما لا خفاء فيه.
وإنما الكلام كله فيما إذا ولغ الكلب في الإناء بأن شرب من مائه من غير أن يصيب نفسه ثم أفرغنا ماءه في إناء آخر ، فان التعفير لا إشكال في اعتباره في تطهير الإناء الأول لولوغ الكلب فيه ، وهل يجب أيضاً ذلك في الإناء الثاني أو الثالث وهكذا لاشتراكه مع الأول فيما هو العلة في تنجيسه وهو شرب الكلب من الماء المظروف فيه من غير أن يصيب نفسه ، فان ذلك الماء بعينه موجود في الإناء الثاني أو الثالث فيجب تعفيره ، أو أن اعتباره مختص بالأول فحسب؟ فقد قوّى وجوب ذلك بعضهم في الإناء الثاني وما زاد ، واحتاط الماتن قدسسره في المسألة بعد ذهابه إلى عدم وجوب التعفير حينئذ.
أما الاحتياط الاستحبابي في تعفيره فلا إشكال في حسنه ، وأما القوة فهي مما لا وجه له ، وذلك لأن من لاحظ صحيحة البقباق التي هي المدرك في الحكم باعتبار التعفير في الولوغ فلا يتأمل في الحكم باختصاصه بالإناء الأوّل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه؟ فقال : لا بأس به ، حتى انتهيت إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (١) ومرجع الضمير في قوله واغسله غير مذكور في الصحيحة وإنما استفدناه من القرينة الخارجية ، وهي أن الكلام إنما هو في التوضؤ بسؤر الكلب وفضل مائه ومن البديهي أن السؤر وفضل الكلب أو غيره لا بد من أن يكون في إناء وإلاّ فلا معنى لصبه ، فالذي أمره عليهالسلام بغسله بالتراب ثم بالماء هو الإناء الذي شرب منه الكلب لا محالة ، ومن الظاهر أن الإناء الذي شرب منه الكلب وبقي فيه فضله وسؤره إنما هو الإناء الأول دون الثاني والثالث وغيرهما ، حيث إنهما ليسا بإناء شرب منه الكلب وهو ظاهر ، فبهذا اختص وجوب التعفير بالإناء الأوّل فحسب.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٢٦ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.