المحل بعضه طاهراً وبعضه الآخر نجساً. وعلى الجملة أنها إنما سيقت لبيان عدم جواز كون المسجد نجساً بتمامه ، ولا نظر لها إلى غير تلك الصورة بوجه.
وبذلك نجيب عن دعوى دلالة الصحيحة على مانعية مطلق النجاسة في مسجد الجبهة ، وذلك لما سبق من أنها سيقت لبيان عدم جواز السجود على مثل الجص الذي يكون متنجساً بتمامه. وكيف كان ، فلا يستفاد من الصحيحة شيء من الاحتمالين. وأما إطلاق كلمات أصحابنا حيث اشترطوا الطهارة في مسجد الجبهة ولم يقيّدوا ذلك بخصوص المقدار الواجب في السجود فقد يتوهم أن ذلك يدل على اعتبار طهارة المسجد بتمامه. وفيه أنّ ذلك كالصحيحة مما لا دلالة له على أن الطهارة معتبرة في المسجد بمقدار الواجب أو في تمامه ، وسرّه أن إطلاق كلماتهم فيما نحن فيه كإطلاق كلماتهم في اشتراط وقوع السجدة على ما يصح السجود عليه أعني الأرض ونباتها من غير تقييد ذلك بخصوص المقدار الواجب في السجود ، مع أنّ الجبهة إذا وقعت على جسم بعضه مما يصح السجود عليه وبعضه مما لا يصح صحت السجدة من غير كلام فلتكن طهارة المسجد أيضاً كذلك.
فالصحيح أن الطهارة شرط للسجود ولا تعتبر الطهارة في مسجد الجبهة زائداً على المقدار الواجب ، لأن القدر المتيقن من الصحيحة المتقدمة وإطلاق كلماتهم ومعاقد إجماعاتهم المدعاة إنما هو اعتبار الطهارة في خصوص المقدار الواجب من مسجد الجبهة ولم يقم دليل على اعتبارها في المسجد بتمامه ، فلو شككنا في اعتبارها في الزائد عن المقدار الواجب كانت أصالة البراءة عن اشتراط الطهارة في الزائد عن المقدار المتيقن محكمة ، فاعتبار الطهارة كاعتبار وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. وما أفاده في المتن مما لا غبار عليه.
ويؤكِّد ما ذكرناه بل يدل عليه أن المسجد إذا كان بطول شبر مثلاً وتنجّس أحد جوانبه بشيء فلا نظن فقيهاً يفتي بعدم جواز السجدة على الجانب الطاهر منه نظراً إلى أنه شيء واحد ، مع أنه لا يصدق أنه طاهر بل يصح أن يطلق عليه النجس كما مر ، وهذا أقوى شاهد على أن المعتبر في مسجد الجبهة إنما هي طهارته بالمقدار الواجب دون تمامه.